سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبابي أبنائي طلاب وطالبات الصف الأول الثانوي. يسعدني في هذه الصفحة من صفحات موقعنا الماس لتطوير الذات والتعلم الذاتي mr-mas.com أن أقدم لكم قصة عنترة بن شداد 4- حوار ساخن . ضمن منهج اللغة العربية.
والجميل والجديد في هذا الموضوع بفضل الله هو عرض نص الفصل الرابع حوار ساخن مكتوبا مع معاني الكلمات الصعبة بشكل شيق وجذاب. بحيث يتم الضغط على الكلمة للتوصل للمعنى أو المضاد أو المفرد أو الجمع وذلك للكلمة الملونة باللون الأحمر . وكذلك تحويل الفصل إلى سؤال وإجابة للتمكن من تحليل كل النقاط المهمة في الفصل الرابع حوار ساخن من قصه أبو الفوارس عنترة بن شداد .
نبدأ أولا بفيديو لملخص الفصل الرابع بالرسوم المتحركة (الكارتون cartoon) . اضغط هنا على هذا الرابط لبدء تشغيل فيديو الفصل الرابع من قصة أبو الفوارس عنترة بن شداد. ضمن منهج أولى ثانوي ترم اول.
****
عبس تحتفل بيوم مناة:
كان البدر (القمر ليلة كماله) قد طلع كاملا على الحلة، ونشر ألوانه على الفضاء عندما خرج عنترة من بيت أمه، وكانت الحلة خالية إلا من عجائز الإماء (الجوارى) والضعفاء من الشيوخ والنساء، فقد خرج أهلها إلى براح (أرض متسعة خالية من الزرع) واسع فى ظاهر النجع(مكان العشب والماء الذى تقيم فيه القبيلة)؛ ليحتفلوا بيوم مناة على عادتهم كل عام.
وسار عنترة مسرعا يغرز الرمح فى الرمال كأنه يطعنها في حقد، حتى بلغ البراح الفسيخ الذى تعودت عبس أن تجتمع فيه للاحتفال بالعيد. وكانت أصوات الغناء والضجك والصياح تنبعث إليه في ضجة (صياح وصخب، المضاد هدوء) يحملها النسيم إليه عجيبة غامضة كأنه لم يشهد يوما زحمة مثلها.
عنترة يفكر فى عبلة:
ولاحت لعينيه جذوع النخيل بارزة في حلقة عظيمة كأنها سياج (سور)، يحجب عنه عالما صاخبا مرحا يختلف عن عالمه الحزين العابس. وخطرت له فى سيره صورة عبلة. وخيل إليه أنه يسمع صوت غنائها، أتكون عبلة هناك فى ذلك الجمع العابث اللاهى لا يخطر ببالها ما هو فيه من تنكيد (تكدير) وحزن عنيف ؟ أتكون عبلة مع هؤلاء تضاحكهم وتسامرهم (تحادثهم ليلا)، وتغنى لهم وترقص وتصفق مع المصفقين، ولا يخطر ببالها أنه وحده يناجى يأسه وكمده (حزنه، وغمه، المضاد سروره).
عنترة يصل إلى مكان الاحتفال:
وطال عليه السير حتى بلغ موضع الزحام، ورأى الجموع الزاخرة (الكثيرة) تحيظ بالنيران فى حلقات، كل منها تضم بطنا (فرعا) من بطون القبيلة. ومر يخبط الأرض برمحه بين الحلقات لا يلتفت إلى أحد ممن كانوا يتواثبون إليه ويدعونه إلى الجلوس، حتى اقترب من سرادق (مكان اجتماع الناس لعرس أو مأتم وغيرهما) الملك زهير بن جذيمة. لم يكن عنترة يعرف ماذا يريد أن يفعل بذهابه إلى شهود ذلك العيد، فإنه لم يذهب إلى هناك لكي يشرب الخمر مع الشاربين، ولا لكي يتبارى (يتسايق، ويتنافس) هو والفرسان، ولا لكن ينشد أشعاره كما اعتاد أن ينشد فى مثل ذلك اليوم. لم تكن نفسه فى ذلك اليوم خالية مستبشرة حتى يشارك قومه في مرح العيد ولهوه وبهجته، ولكنه مع ذلك قد ذهب إلى هناك وهو لا يدرى ماذا يقصد من الذهاب. أكانت صورة عبلة هى التى تجذبه وتدعوه ؟ أم كان ضيق صدره يدفعه إلى الهروب من الوحدة لعله يجد فى زحمة العيد ما يشغله عن التفكير فى همومه وآلامه ؟ أم ذهب برجو أن يلقى شداد بن قراد فى ذلك الجمع الحاشد (الكثير) ؟ لقد كانت صورة شداد هى التى تملأ صدره الحانق (الشديد الغيظ) منذ خرج من بيت أمه، فكان يتمنى أن يراه؛ ليسأله عما كان يسأل أمه عنه، ويحمله على أن يعترف به ويجعله ولده صريحا.
عنترة يغضب من رؤية عبلة تغنى:
ولما اقترب من سرادق الملك زهير بن جذيمة مر بحلقات من فرسان الشباب فهبوا (أسرعوا، المضاد أبطئوا) إليه وأحاطوا به؛ ليأخذوه إليهم، وتنافسوا أيهم يسبق إليه، ولكنه وقف ينظر نحو السرادق العظيم ورمحه مركوز فى الرمل، وارتسمت على وجهه ابتسامة ضعيفة فيها شيء من السخرية وشىء من الحنق، والتفت إلى الفرسان قائلا: سوف أعود إليكم بعد تحية سادتى، ثم قهقه (ضحك فسمع ضحكه)، وانفلت من بينهم مسرعا مترنحا (متمايلا) متحديا كأنه يقصد قتالا.
ولمح أمام السرادق فتيات عبس وهن يخطرن (يتبخترن) في رقصهن وغنائهن، فأدار بصره فيهن حتى وقع على عبلة وهى ترفع يديها وتغنى فخفق (تحرك المضاد سكن) قلبه وتمتم قائلا: أكل هولاء ينظرون إليها ؟!
وسمع عند ذلك من ناحية السرادق اسم عبلة يتردد فى صيحة إعجاب، فوثب وطعن الرمل برمحه، فما هى إلا لحظات حتى كان على خطوة منها، فالتفتت إليه وتلاقت عيناهما، فتبسمت عبلة، ومالت برأسها فى خجل، وسكتت عن الغناء. فعلا الجمع صمت عميق مدة لحظة مرت كأنها ساعة طويلة، وتعلقت العيون كلها بعنترة، وكان مظهره ينم (يدل) عما فى صدره من غضب وثورة، أما هو فلم يبتسم لعبلة، ولم يلق إليها تحية، واندفع نحو السرادق، ولا يزال يطعن الرمل فى كل خطوة يخطوها.
وصف مجلس الملك زهير بن جذيمة:
فلما بلغ موضع الملك حياه قائلا: عمت مساء مولاى !
فقال الملك : عم مساء عنترة. لقد كنت أسأل عنك منذ الليلة. وكان الملك جالسا على تخت (مكان مرتفع للجلوس) منصوب قد فرشت عليه النمارق (البسط) والوسائد، وكان الأمراء والشيوخ وأبناء السادة يجلسون من حوله ومن ورائه فى صفوف مزدحمة، فوق طنافس (بسط) من صناعة المدائن وشيراز (مدينتان فارسيتان).
مشادة بين عمارة بن زياد وعنترة:
فنظر عنترة إلى المكان، فلم يجد به موضعا يجلس فيه. ودار بعينيه في ارتباك كأنه يبحث عن أحد في الجلوس، وفيما هو فى حرجه سمع صوتا ينادى في شىء من السخرية قائلا: ألا تجد لك مكانا يا عنترة ؟! فنظر نحو الذى يخاطبه، وكان عمارة بن زياد. أجمل فتيان عبس، وأكرمهم، وأغلاهم حسبا (شرف الآباء) وأشرفهم نسبا، فقال عنترة فى حقد : لو أنصفت لقمت لى من مكانك يا عمارة. فهب عمارة من مكانه ثائرا وقال : تعال فخذ مكانى إذا استطعت يا بن زبيبة. فقال عنترة ثابتا : لم تأت بجديد على الأسماع، فكل عبس تعرف أمى كما تعرف أمك. ولكنى هنا أنا وأنت، فتعال إلى إذا شئت يا عمارة. فجرد (أخرج، وأشهر) عمارة سيفه، واندفع نحوه، وأقبل عنترة عليه يدوس الجالسين للوصول إليه، وهب الناس من كل مكان يحجزون بينهما حتى لقد هب الملك زهير من مكانه صائحا:
- تريث (تمهل، المضاد تعجل، وتسرع) يا عنترة، ويحك (ويلا لك) يا عنترة! ولكن صوته لم يسمع فى الضجة الشاملة، وانتقض (فسد) نظام الميدان كله، فاختلط (امتزج، المضاد انفصل) من فيه، واضطربوا وصاح النساء والفتيات في فزع، ومضى حين (وقت) قبل أن يستطيع شداد بن قراد أن يصل إلى عنترة، ويسمعه صوته ويأخذه من يده، وخرج به من السرادق، ولكن الجمع لم يلتئم (لم يجتمع، المراد لم يعد كما كان) بعد ذلك، ولم تعد النفوس إلى صفائها، وانفض الناس فى وجوم (عبس وسكوت لشدة الحزن) عائدين إلى منازلهم، فلم يكن لهم في ذلك اليوم عيد.
شداد يلوم عنترة على ما فعله:
وذهب شداد إلى جانب عنترة يسيران في صمت حتى بلغا شعبا من شعاب الوادى المؤدى إلى الحلة، فانتحيا (مالا، وقصدا) فيه جانبا عند مهبط السيل، وجلس شداد على قطعة ملساء (ناعمة، المضاد خشنة) من الصخر، وجلس عنترة جاهما (حزينا، المضاد فرحا) عند قدميه، ووضع رمحه تحت رجليه، وقطع شداد الصمت قائلا: أجئت يا عنترة عمدا لتفسد علينا ليلتنا؟ فنظر إليه عنترة نظرة طويلة، ثم أرخى عينيه، وقال بصوت عاتب : أتلومنى يا سيدى على ما كان ينبغى أن تلوم عليه غيرى ؟ أتلومنى لأننى عبدك ؟ فقال شداد: أهذا جواب قولى ؟ فقال عنترة : إن القول يسوق بعضه بعضا، وإن فى نفسى لقولا كثيرا لست أدرى كيف أبدأ فيه، وكيف أثنى، إن عندى لك قولا هو أولى أن تسمعه من هذا الذى تسألنى عنه يا سيدى، فقال شداد في دهشة : قل ما بدا لك يا عنترة، فقال عنترة : إننى لا أستطيع يا سيدى أن أنكر فضلك، فأنت فارس عبس وشيخها، وأنت ملاذ (ملجأ) الخائف، ومطعم الجائع، ومكرم الضيف، وناصر الضعيف، وقد حدثتنى أمى عنك حديثا طويلا منذ كنت طفلا. قال هذا ثم سكت، ونظرإلى سيده شداد. قال الشيخ عابسا: ما لك تسكت يا عنترة ؟! امض فى الحديث وقل ما عندك.
عنترة يخبر شدادا بما قالته له أمه:
واستمر عنترة قائلا: حدثتنى أمى عن رحمتك بها وبرك بأبنائها، ولكنها قالت لى قولا لم أسمعه منك أنت يا سيدى. هذا ما يضيق له صدري، وتثور (تغضب، المضاد تهدأ) منه نفسي. فقال شداد جامدا: قالت لك إنك ولدى ؟ فقال عنترة ثابتا: قالت لى ذلك منذ كنت طفلا، كنت إذا لعبت مع أطفال الحي سموني بأمى، وقالوا لى أقوالا لم أفهمها، فكنت أنتقم منهم وأضريهم، فلا يزيدون إلا جرأة (إقدام، وشجاعة، المضاد جبن)، وتجتمعون فى حلقة يعيرونى ويسخرون منى، وكنت كلما ضقت بهم ذهبت إلى أمى، فشكوت لها وسألتها عن أبى لكن أفاخرهم به كما يفاخروننى بآبائهم، ولكنها كانت لا تزيد على أن تبكى، ثم قالت يوما إننى ابنك، فأحسست الكبرياء تملا نفسى، والقوة تسرى (تسير، وتنتشر) فى عروقي، فكان لا يقوى أحد منهم على الوقوف أمامى. ولكنى كبرت وعرفت وخضت (دخلت) الحروب، وأردت أن أجد لى مكانا في عبس، فلم أجد أحدا يوسع لى مكانا، فعدت إلى أمى أسألها عن حقيقة ما قالت لى فى طفولتى، فكانت تراوغنى وتدافعنى ولم تعد علي قولها إننى ابنك حقا، ولكنها قالتها لى اليوم، فجئت إلى هنا، ولكنى وا أسفاه لم أجد لى بين عبس مكانا، وجدتك أنت هناك تسمع وترى، وذلك الوغد (الأحمق) يسبنى بأمى.
عنترة يطلب من شداد أن يعترف به:
فقال شداد في جمود: وماذا تريد بقولك هذا ؟ فأجاب عنترة فى دفعة: لست أريد إلا ما يريده الولد من أبيه إذا كان أباه حقا، أعبدك أنا أم ولدك ؟
فقال شداد: ألست أعطيك ما يعطى الأب ابنه ؟ ألست أكرم مكانك يا عنترة ؟ ألست أدخلك بيتى، وأجلسك فى مجلسى وأركبك معى، وأناجيك (أحدثك سرا) إذا اعتزمت (أردت، ونويت) مع قومى أمرا؟ ألست أدعوك إلى حماية الحمى، وإلى المشاركة في الغزاة (الحرب، والقتال) ؟ ألست أنصرك إذا ظلمت، وأدفع عنك إذا ظلمت؟ ألم تقف الليلة لسيد شباب عبس تلقى إليه سبابا (شتما) بسباب، واعتداء باعتداء فلم أدع يدا تصل إليك ؟ أترى في عبيدى غيرك من يباح له ما يباح لك ؟ فماذا ينبغى منى بعد ذلك إذا كنت أباك حقا؟
فقال عنترة فى رقة : لست أنكر فضلك، فإنى إذا لجحود (منكرالفضل)، إنـك لتكرمنى، ولا تجعلنى مثل هؤلاء العبيد الذين يرعون إبلك معى، ويحلبون لك النياق، ويحملون الطعام لضيوفك، وقد كنت تملك أن تجعلنى مثلهم لو شئت، وتذل تلك النفس التى تقول أمى إننى ورثتها منك. ألا تقول لى مرة إنك أبى ؟ ألا تقول لى كلمة تقر بها عينى (أسر، وأرضى بها) ؟ قل لى هذه الكلمة يا أبى حتى أسمعها من شفتيك أنت. ومد يديه عند ذلك في ضراعة ونظر في عين مولاه (سيده). فقال شداد متبرما (متضجرا، وضائق الصدر) : أما إنك لتلج (تلح) لجاجة لا أحمدها.
فقال عنترة معتذرا: لست أحب اللجاجة يا سيدى، فاصرفنى عنك بكلمة أعرف بها مكانى منك، فإذا لم أكن ابنك لم يكن لى عليك من سبيل في نفسك وفي هذه الذرية (النسل) التى تخرج من صلبك. فقال شداد مغضبا: حسبك أيها الولد وأمسك لسانك.
عنترة يوضح لشداد ذل العبودية:
فقام عنترة ومد يديه نحوه قائلا: أيها البطل، لست أحب أن أغضبك. ولكنى لا أرضى لك أن تقذف بى بعيدا عنك إذا كنت من دمك. إن لى فى الحياة حفا كما أن لكل رجل فى عبس حقا، فكيف أعيش فى قيد الرق (العبودية، المضاد الحرية) إذا كنت ابن سيد الأحرار؟ وهل تستحق الحياة أن أحياها إذا هى خلت من الحرية ؟ إننى أحب الحرية ؛ لأننى أحب الحياة، وأحب أن أعيش كالناس، أقول نعم حينا أو أقول لا، إذا بدا لى أن أقول نعم أو لا. أحب أن أكون مثل سائر (باقى) الناس في ميزانهم، أعاشرهم وأعاملهم على أننى واحد منهم. أترضى لنفسك أيها البطل أن تعيش عبدا؟
فصاح شداد فى غيظ : أتقول لى ذلك ؟ فقال عنترة : حاشاك أيها البطل أن تكون عبدا. إنك لتكره أن أقرن (أجمع، والمضاد أفصل) بين اسمك وبين الرق في كلمة واحدة، فكيف بى وأنا أرغم (أكره) على أن أعيش كل حياتى عبدا؟ هبك (افترض أنك) وقعت يوما فى أسر أعدائك فاتخذوك عبدا، وجعلوا حولك الأغلال (القيود) كما فعلوا يوما بـمهلهل بن ربيعة، أما كنت تؤثر أن تجاهد في سبيل حريتك حتى تفوز بها أو تخر صريعا (تسقط قتيلا) في جهادك ؟ فإذا كنت أبى فإن دمك الحر هو الذى يثور في قلبى.
عنترة يترفق فى حديثه مع شداد:
فلان شداد، وقال عاتبا : إنك تجرعنى (تسقينى) الغيظ بما تلقيه علي من هذا القول الذى ينطلق إلى أذنى كأنه جمر (قطع ملتهبة من النار)، فقال عنترة فى رقة : قلت لك إني لا أحب أن أغضبك، فلا تغضب على إذا دفعنى يأسى إلى مواجهتك، لست أكره أن توقع بى، وتضع سيفك في صدري، فتذهب عنى تلك الشجون التى تؤرقنى فى ليلى وتذلنى في نهاري، وتجعل حياتي بغيضة إلى نفسي، لست أكره أن أفارق الحياة على يديك فأخلص من هذه السبة (العار) التى يرددها الناس كلما وقفت بينهم عند أول غضبة يغضبونها، فهم إذا عجزوا عن مفاخرتي بأنفسهم فخروا على بآبائهم وقالوا لي يا بن زبيبة، ولو عرفت أبى لفاخرتهم به، وأسندت إليه ظهرى. حتى أنت يا شداد إذا غضبت علي قذفتنى بحممك (الجمر) ودعوتنى عبدا، وقد كنت جديرا بأن تكون أبعد الناس عن إذلالى إذا كنت أبي. فهل كذبت أمى فيما زعمته إذ قالت إننى منك ؟ فصاح شداد فى غيظ : أما قلت لك أمسك لسانك ؟
عنترة يطلب من شداد إقرار أبوته أو إنكارها:
فمضى عنترة فى عناد : لك أن تنكر أبوتي، ولو فعلت ذلك لوجدت عنك مندوحة (سعة، وفسحة) يا سيدى، فإنى أقدر على أن أضع السيف في صدرى حتى يخرج من ظهري، أقدر على أن أضرب في الأرض فلا يعرف أحد مكانى، أقدر على أن أهيج (أثور، المضاد أهدأ) فى الناس بسيفى ورمحى كما يثور الكلب العقور (كثير العض) أو النمر الثائر، ولكنى لا أقدر على أن أدعك تمضى عني بغير أن تجيب عن سؤالى، فلا بد لك من إحدى خصلتين (الخلق) : إما أن تقر بأبوتى، وإما أن تنكرها. وكان شداد مطرقا (ساكتا، المضاد متحدثا) فى أثناء هذا الحديث مترددا، فنظرإليه عنترة وطمع فى لينه ومضى قائلا : قل لى أيها البطل كيف أقيم في قوم أقاتل أعداءهم، وأحارب في غزواتهم وأحوز الغنائم من أجلهم، وأنا فيهم لا أزيد على أن أكون عبدا مسخرا ؟ أأفعل ذلك مأجورا بطعامى وشرابى ؟ أيكون سيفى جديرا بأن يصاحبنى ؟ وهل أرضى لنفسى أن أكون عبدا لك تملكنى كما تملك هذه الإبل وهذه الخيل ؟ أأرضى بالذل في نفسى، وأنا قادر على حماية غيرى ؟ لئن كنت قادرا على أن أمنع حرمكم، وأذود (أدافع) عن حريتكم فإننى لأشد الناس عقوقا لنفسى (تركا للإحسان إليها) إذا كنت أحفظ كرامتكم وأهدر كرامتى.
عنترة يذكر لشداد فضله على عبس :
فرفع شداد رأسه، وقال: أتمن (تفخر) علينا بحمايتك ؟ فأجاب عنترة: لست أمن عليك، ولا على أحد بحمايتى، ولكى أقول الحق الذى لا تستطيع أنت أن تنكره. إننى أغزو وأتقدم الصفوف؛ لأقتحم جيش العدو أول الناس لتسيروا ورائى، وإى لأجرؤ على لقاء كل فارس يتحاماه (يتحاشاه، ويتجنبه، المضاد يواجهه) الأبطال من سادتكم، وإني لأغنم الغنائم لكى تقسموها بينكم، فإذا مننتم (تفضلتم، وانعمتم) على بجزء منها جعلتم لى نصف سهم، ورأيتم فى هذا فضلا واعترافا بحقى. إنى لأبذل ما في يدى تكبرا عن المال إذا حرص عليه كرامكم، ولست أريد بهذا القول منا ولا فخرا، بل هو الحق الذى تعرفه. فإذا كان هذا يغضبك فقل لى إنك غاضب منه، فلا أعود إلى ذكره، وحسبى أن أباعد بينى وبينكم، فلا أكلفكم من أمرى مشقة، ولكى أحب منك أن تجيبنى عما سألت فإما أن تنكرنى وإما أن تعترف بى.
وكان شداد في أثناء هذا القول مطرقا وقد وضع رأسه بين يديه صامتا، فقام عنترة ووضع يده على كتفه فى رفق وقال له: أما زعمت مرة أنك أبى ؟ لقد حدثثنى أمى فى ثنايا (خلال) قصتها أنك اعترفت بى يوما إذ طمع أحد بنى عبس في أن يحوزنى، فمنعتنى (حميتنى) وقلت إننى ابنك، ألم تقل ذلك يوما يا سيدى ؟ أما كدت تقاتل أبناء عمك عندما أرادوا أن يدعونى (ينسبونى إليهم)؟ كذب هذا إذا شئت، بل كذب نفسك إذا استطعت أن تقول كذبا.
شداد يغضب من عنترة:
وما كاد شداد يسمع هذه الكلمة حتى رفع رأسه ووثب قائما ولمس مقبض سيفه، وقال في صيحة عنيفة: أتقول لى هذا القول أيها العبد الشقي ؟ وحق مناة واللات والعزى ما صبرت على أحد صبرى عليك، وأنت الليلة تقرعنى (توجعنى باللوم والعتاب) وتعنفنى (تقسو علي، المضاد تحنو علي). ولست أدرى ما الذى يمنعنى من سفك دمك أيها العاق الجاحد ؟ فهل أطمعك حلمى عنك ؟ أو قد غرك أننى وقفت دونك (حميتك، ودافعت عنك) وأنت تشمخ (تترفع، وتتكبر) بأنفك على سادتك ؟ إنها لنقيصة (خصلة دنيئة) أحسها فى نفسى أن أرق لك كلما هممت بأن أغمد (أدخل) هذا السيف فى أحشائك. فنزع عنترة سيفه ورماه بعيدا عنه، وفتح جيبه (طوق قميصه) فكشف عن صدره الواسع وقال بصوت أجش: هلم (اسم فعل أمر بمعنى تعال) فأغمد سيفك في صدرى، ولا تكتم غضبك على، فإنك إن فعلت خففت عنى ثقل ما أحمل فى هذه الحياة. بل إنى أحرضك (أحثك، وأدفعك) على قتلى، فلست أريد أن أحيا فى العبودية التى تريدنى عليها، اقتلنى وأنت هادئ النفس؛ لأنك تريحنى من شقائى.
شداد يعترف بعنترة، ويطلب منه تأجيل إعلان ذلك:
فأدار شداد عينيه عنه، وعاد إلى الصخرة فجلس عليها صامتا وهو يلهث مما فى صدره من الغيظ، وبقى حينا ساكنا، ثم تحرك وقال بصوت فيه رنة العتاب : ألا تعلم أن هذا الأمر لا أملكه وحدى ؟ فصاح عنترة كمن أصاب انتصارا: إذا فأنت تعترف بى، فقال شداد فى حزن : لست أنكر أنك ابنى... فصاح عنترة فى حماسة : لقد قلتها، هذا حسبى منك يا أبى، قل ما شئت بعدها، وافعل ما بدا لك، فأنت أبى. وذهب إليه فمال على رأسه فقبله، فقال شداد فى حزن : لقد علمت يا عنترة أننى آثرتك منذ كنت طفلا، وحنوت عليك، وأمنت إليك، ولقد علمت كيف كنت أعادى أعداءك حتى كاد قومى ينبذوننى (يعادوننى، ويهجروننى)، وكيف وقفت دونك حتى باعدنى إخوتى وبنو عمومتي، ولكنى إذا اعترفت بك على ملأ (جماعة) الناس لم يرض أحد منهم بك، ورأوا أننى ألحقت بهم المعرة بانتسابك. فقال عنترة: أتكون المعرة أن تنسب إليهم عنترة ؟ فأطرق الشيخ واجما ووضع رأسه بين كفيه وقال : أمهلني يا عنترة حينا ولا تقس على، أمهلنى حتى أمهد لأمرى وأتوسل إلى قصدى (هدفى) ولن أفرط فيك أبدا، فقد عجز الأحرار عن ولادة قرينك (نظيرك، ومثلك). فقال عنترة فى نغمة ساخرة : فأنا إذا عنترة العبد حتى يرضى كل هؤلاء.
فقالى شداد : تريث بى حتى أحملهم على رأيي، تريث يا عنترة، ولا تعد بى إلى حديثك هذا، وتعال أحدثك الساعة عن أمر كنت أود أن أبدأ به فى حديثك.
فقال عنترة فى حنق (غيظ) : وما شأنى بالأحاديث يا سيدى ؟ فقال شداد : إنه حديت كنت أحب أن أفضى به إليك.
عنترة يقرر اعتزال قومه :
فقال عنترة في صرامة : لأكونن العبد حقا إذا رضيت أو سمعت شيئا. أما وقد أبيت يا سيدى إلا أن أبقى عبدا حتى يرضى قومك، فلن أكون لك إلا عبدا، سأعتزل هذا الحي، وسأقنع (أرضى،المضاد أطمع) منك بما تعطى، سأذهب إلى مراعيك (أماكن رعى إبلك وماشيتك) لأسوق إبلك وأرعاها، سأبعد عن الناس فلا أجالس الأحرار أبدا، وسأبعد عن الحروب فلا أحمل سيفا ولا رمحا، ولكننى عرفت أنك أبى، فليس لى أن أتهم زبيبة أمى، وسأرضى عن حياتي فلن أطعن قلبى بيدى، سأبقى حيا، فإن لى أملا لا يزال يحملنى على الحياة، ولن أحس بعد اليوم ذلا فى قرارة صدرى، فأنا عنترة بن شداد بن قراد. وأخذ سيفه ورمحه فى هدوء، فقال له شداد: أذلك الذى أسمعه عنترة ؟ فصاح عنترة : نعم، هذا عنترة العبد. هذا عبدك يا شداد بن قراد، سأذهب إلى البرية (الصحراء) لأرعى إبلك، وأحلب نياقك، وأدفع الذئب عن غنمك، سأجعل رمحى عصا أسوق بها الإبل، وسأجعل سيفى حلية (زينة) أزين بها صدرى، فلا شأن لى بالغزو بعد هذا، ولا ينبغى لي أن أقف بين الأحرار، وإذا بدا لك يوما أن تنادي عنترة، فلا تدعه إلا لكى يحمل لك وعاء اللبن،أو لكي ينحر (يذبح) لضيفك جزورا (ما يصلح لأن يذبح من الإبل)، وستجدنى لك كما شئت عبدا خاضعا، لن أرد قلبى عن محبتك؛ لأنه لا ينكر أبوتك، سوف أكون عبدك، أخفى عنك طربى وغضبى، وسوف أدير عينى إذا نظرت إلى حتى لا تلمح وميض (بريق) حقدى (غضبى)، ولا أجهر بذات نفسى تحت سمعك ولا أتحدث عنك إلا من خلف ظهرك. فإذا قربت منى فلن تسمع منى إلا ألفاظ الوفاء والولاء.. هذه شيم (أخلاق) العبد، فلا تنتظر منى سوى شيم العبد، واقنع بهذا منى يا بطل عبس وكريمها! يا سيدى شداد بن قراد، هأنذا أخضع لك، وأدعو مناة أن تحفظك من سيوف الأعداء، وهأنذا أقبل قدميك تذللا ومهانة.
ولما قال عنترة هذه الكلمة أهوى (نزل) إلى قدمي أبيه فجأة فقبلهما، ثم نهض مسرعا، وذهب كأنه يهرب من عدو، حتى اختفى وراء التبة، وخرج نحو الصحراء، وجلس شداد ينظر في أعقابه مدهوشا، ونورالبدر الساطع يخيل إليه أنه يهيم فى حلم ثقيل.
مناقشة الفصل الرابع من قصة عنترة بن شداد
****
وفي الختام في هذه الصفحة الممتعة بإذن الله وتوفيقه. يسعدنا مشاركتكم أحبابي لهذا الفصل مع جميع أصدقائكم المهتمين بالتعليم الإلكتروني. وجميع طلاب وطالبات الصف الأول الثانوي . وفقنا الله جميعا لكل ما يحبه ويرضاه. آمين.