السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبابي في الله أبنائي طلاب وطالبات الصف الثاني الثانوي. يسعدني في هذه الصفحة من صفحات موقعنا الذي يهدف إلى نشر العلم بالمجان الماس لتطوير الذات والتعلم الذاتي mr-mas.com أن أقدم لكم قصة وا إسلاماه - الفصل العاشر . وا إسلاماه 10- لقاء قطز بجلنار، والتقاؤه بالصلِيبيين . ضمن منهج اللغة العربية. ترم تانى .
والجميل والجديد في هذا الموضوع بفضل الله هو عرض نص الفصل العاشر من قصه وا اسلاماه مكتوبا مع معاني الكلمات الصعبة بشكل شيق وجذاب. بحيث يتم الضغط على الكلمة وذلك للتوصل للمعنى أو المضاد أو المفرد أو الجمع وذلك للكلمة الملونة باللون الأحمر . وكذلك تم تحويل الفصل العاشر 10- لقاء قطز بجلنار، والتقاؤه بالصلِيبيين إلى سؤال وإجابة للتمكن من تحليل كل النقاط المهمة في الفصل من قصه وا إسلاماه .
نبدأ أولا بفيديو لملخص الفصل العاشر 10- لقاء قطز بجلنار، والتقاؤه بالصلِيبيين بالرسوم المتحركة (الكارتون cartoon) . اضغط هنا على هذا الرابط لبدء تشغيل فيديو الفصل العاشر من قصة وا اسلاماه. ضمن منهج تانيه ثانوي ترم تاني .
****
الملك الصالح يهب قطز لأيبك:
كان قطز قد بيع للملك الصالح أيوب كما أراد، غير أنه لم يلبث عنده إلا قليلا حتى وهبه الملك الصالح لعز الدين أيبك الصالحى أحد أمراء مماليكه الأثراء (الخلصاء المفضلين). فاغتم قظز أول الأمر وحسب ذلك من سوء طالعه (سوء حظه) أن يوهب لمملوك مثله، ولكنه ما لبث أن لقى من ثقة هذا الأمير واعتماده عليه واصطفائه (اختياره) له - فوق ما رأى من نفوذه العظيم عند مولاه الملك - ما أعاد الاطمئنان إليه فأحبه وأخلص له، وما اصطفاه عز الدين أيبلك إلا بعد أن بلا (اختبر) من شجاعته وأمانته وصدقه ما جعله جديرا بثقته واصطفائه.
فقد كان الأمير أيبك - كغيره من امراء مماليك الصالح - معنيا (مهتما) باصطناع الرجال الأمناء واصطفاء الأتباع المخلصين، وشراء ودهم وولائهم؛ ليتقوى على منافسيه فى السلطة ومنازعيه الحظوة (المكانة، والمنزلة) لدى مولاهم، وكانوا فى ذلك يحذون (يفعلون) حذو أستازهم الملك الصالح أيوب، فكما استكثر من المماليك، وأربى (زاد، المضاد ندر، وقل) فى ذلك على كل ما سلف (سبق، والمضاد خلف) من ملوك أهله، حتى بنى لهم القصور فى جزيرة الروضة، وأغدق (وسع، المضاد ضيق، وقتر) عليهم النعم وآثرهم (فضلهم) على من سواهم بالمناصب والرتب؛ ليتقوى بعصبيتهم له على من ينازعه الملك من إخوانه وأبناء عمومته من الأمراء الأيوبيين - كذلك فعل أمراء مماليكه نسجا (سيرا) على منواله (طريقه)، فأخذ أحدهم يستكثر من المماليك، ويصطنع الأتباع والأشياع؛ ليشتد بهم ساعده، ويكونوا له قوة على من سواه من الأمراء.
وقد اصطلحوا (اتفقوا، المضاد اختلفوا) على تسمية المماليك التابعين لمالك واحد - أو أستاذ واحد على اصطلاح ذلك العصر - خشداشية كل منهم خشداش أخيه أى زميله أو قرينه، وتقوم هذه الصلة بينهم مقام القرابة ولحمة (قرابة) النسب؛ إذ لا قرابة بينهم ولا نسب، فقد جلبوا من أمم شتى، وأصقاع (نواح، وجهات) مختلفة.
قطز يبحث عن جلنار:
وكان قطز من أول ما وطئ أرض مصر موكّل (مشغول، المضاد منصرف) القلب بالبحث عن حبيبته جلنار، وقد فكر كثيرا فى الطريقة التى يتمكن بها من الاهتداء إليها. فظل زمنا يتصفح (ينظر فى) وجوه الناس لعله يجد بينهم شخصا من معارف سيده القديم الشيخ غانم المقدسي ممن قد رآه ورآها عنده، فيسأله هل رأى جلنار أو سمع بها فى مصر؟ ولكنه لم يلق أحدا منهم. ثم خطر بباله أن يغشى (يزور) سوق الرقيق بالقاهرة؛ لعله يجد أحدا من النخاسين يعرف عنها خبرا فجعل يتسلل من مولاه ويتردد على سوق الرقيق، ويسأل كل قادم من تجاره عن جارية تدعى جلنار فلا يعرفها له أحد.
وبينما هو واقف فى السوق ذات يوم إذ مر به شيخ قد اشتعل رأسه شيبا، غير أنه لم يزل به فضل من القوة والنشاط، ومعه عدد من الغلمان والعبيد يريد بيعهم فراعه أن الشيخ وقف عن مشيه لما رآه، وأخذ ينظر إليه ويتفرس (ينظر، ويتأمل) فى وجهه ثم اقترب منه فدعاه باسمه، فعجب قطز وبقى حائرا ينظر إليه فقال له الشيخ: "أنسيتنى يا قطز؟" فقال له قطز: "لا أذكر أنى عرفتك، فمن أنت ؟" فتأوه الشيخ قائلا: "أجل إنك ما عدت تغرفنى؛ لأن الأيام قد غيرت معالم وجهى.
أما تذكر جبل الأكراد وسوق الرقيق بحلب ؟"، وما أتم الشيخ كلمته حتى تذكر قطز النخاس الذى اشتراه من اللصوص فى جبل الأكراد، وباعه فى حلب، فتبين له أنه هو عينه، فصافحه قطز بحرارة وشوق، وجعلا يتحدثان عما فعلت الأيام بهما منذ افترقا فى حلب، وسأله النخاس فيما سأله : أين هو الأن ؟ وفى خدمة من من الأمراء أو الملوك ؟ فأجابه قطز بأنه فى خدمة الأمير عز الدين أيبك الصالحي، فسأله عن حاله عند أستاذه، فأخبره بأنه سعيد عنده ومقرب إليه ففرح النخاس وقال فى لهجة المفتخر: "إن يدى مباركة على مماليكى، فما بعت منهم أحدا إلا صار له بعد ذلك شأن عظيم". وجعل يعدد طائفة من الأمراء والمماليك ويقول: إنهم كانوا تحت يده فأصبحوا اليوم من أركان الدولة.
تاجر الرقيق يذكر قطز بصديقه بيبرس:
ثم قال له: "أتذكر رفيقك القبجاقي الأشقر بيبرس، ذلك الغلام الشقى الآبق ؟". فخفق قلب قطز لما تذكر ذلك الغلام الأزرق العينين الذى بيع معه فى سوق النخاسة بحلب فقال لسائله : "بيبرس... بيبرس... نعم أذكره. أين هو الآن ؟". فابتسم التاجر وقال : "ألم تلقه ؟ ألم تعرفه ؟ إنه اليوم خشداش لأستاذك تحت إمرته (قيادته) خمسون فارسا".
فسكت قطز وسرح فكره قليلا، فظن التاجر أنه غار من رفيقه فمضى يقول : "إنه سبقك يا قطز، أليس كذلك؟ ولكن لا تبتئس فستكون مثله وخيرا منه". فقال قطز: "كلا، ليس بى ما ذكرت، لكنى لم أر هذا الشخص فى خشداشية استاذى".
«لعلك رأيته فما عرفته، لقد أصبح اليوم شابا كبيرا طويل القامة، ولكن سل أستاذك عنه، سله عن ركن الدين بيبرس البندقداري يدلك عليه". ثم حياه مودعا معتذرا بشغله، وقال له : "إذ شئت أن تراني فسل عنى موسى شاكر العطار فى سوق العطارين".
وأراد الانصراف، فاستوقفه قطز قائلا : "معذرة إنك حدثتنى عن رفيقى بيبرس، ولم تحدثنى عن رفيقتى جلنار. أما تعرف أين هي؟ ". فقال له التاجر: "من أين لى أن أعرفها ؟ إنى قد أعرف الغلمان الذين بعتهم، أما الجوارى فتحجبهن عنى القصور، ألم تكن معك عند الوجيه الدمشقي ؟".
- "بلى، ولكنهم باعوها بعد وفاته لرجل فى مصر".
- "إن مصر كبيرة يا بني، وليس من اليسير عليك أن تهتدى إليها"، فلم يشأ قطز أن يستوقف الرجل أطول مما فعل، فودعه، وانصرف.
قطز يسال أستاذه عن بيبرس :
ولما رجع قطز إلى دار أستاذه سأله عن ركن الدين بيبرس البندقداري، فقال له أستاذه: "دعك منه فإنه من جماعة فارس الدين أقطاى الجمدار"، وكان قطز يعلم ما بين عز الدين أيبك وفارس الدين أقطاى من عداوة وتنافي فلم يشأ أن يلقى على مولاه السؤال عن بيبرس، وصرف الحديث عنه.
ثم ظل بعد ذلك يبحث عن بيبرس البندقدارى حتى دل عليه، فوجده جالسا مع جماعة من كبار المماليك الصالحية المتشيعين لأقطاى الجمدار، فانتظره حتى خرج من عندهم، فلقيه قطز مبتسما مادا إليه يده ليصافحه، فأنكره (جهله، المضاد عرفه) بيبرس وقال له بلهجة خشنة : "من أنت يا هذا ؟ أنا لا أعرفك" . فقال له قطز: "أنا رفيقك يا بيبرس. انا قطز."
- "ما أعرف لى رفيقا اسمه قطز، اذهب يا هذا لعله شبه (اختلط) عليك".
- "أنسيت ذلك الغلام الذى كان معك فى دار النخاس بحلب، والذى كان يطعمك من حلواه، ويشركك في إدامه ؟ " فصاح بيبرس: "قطز... أنت قطز" ومال على رفيقه فاعتنقا ثم قال بيبرس : "وأين أختك تلك الصغيرة التى كانت معنا ؟".
- "جلنار؟!".
- "أجل جلنار... أين هى ؟".
فتنهد قطز: "إنها ليست بأختى، ولكنها قريبتى، وقد كانت معى بدمشق ثم بيعت لرجل من مصر". وهنا لم يملك دموعه أن استعبر (جرت دموعه، المراد نزلت). فعجب بيبرس من أمره وقال له: " ماذا يا قطز... أتحبها ؟ " فأجابه قطز: "نعم... إنى أحبها... إنى أحب جلنار، أما رأيتها هنا أو سمعت بها قط يا بيبرس ؟ ". فرق له بيبرس وقال له : "إنى لم أسمع باسم جلنار هنا، ولو رأيتها لما عرفتها، فلا بد أنها قد أصبحت شابة كبيرة"، وسكت هنيهة ثم نظر إلى رفيقه ضاحكا، وجعل يضرب على منكبه ويقول له : "هون عليك يا قطز، فسترى أن الجوارى الجميلات هنا كثيرات".
قال له قطز: "إنى لا أحب غير جلناز، ولا أريد أن أعرف أحدا سواها". فأجابه بيبرس، وهو على حاله ذلك من الضحك والاستهتار: "دغك من هذا، طيب خاطرك يا صديقى، فسأعرفك بعشرات من الجوارى الحسان تختار منهن من تحب. فقل لى : "أين أنت ؟ فإنى أحب أن أراك وأجلس معك فأقول لك أشياء كثيرة، وأسمع منك أشياء كثيرة" . فقال له قطز: "إنى فى خدمة أستاذى الأمير عز الدين أيبك".
فنضبت (جفت، المراد اختفت) البشاشة (السرور، المضاد العبوس) التى كانت على وجه بيبرس، وأدرك قطز سبب ذلك، وأراد أن يقول لصاحبه شيئا، ولكن بيبرس سبقه قائلا: "ما يضرنا أن يكون أستاذك عدوا لصديقى فارس الدين أقطاى، فإنا صديقان قبل أن نعرفهما، ولولا أنى أظمع فى رتبة أنالها من وراء هذا الأحمق (قليل العقل، أو الطائش) المتكبر لتركته، والله يا قطز إنى لست دونه فى شىء، ولكنه سبقنى فى الخدمة بسنوات".
وهكذا توطدت (توثقت، وقويت، المضاد ضعفت) الصداقة بين هذين المملوكين الشابين على ما بينهما من تفاوت (اختلاف، المضاد اتفاق، وتساو) فى الرتبة، وتباين (تضاد، واختلاف) في المزاج (الطباع) والأخلاق، فكانا يخرجان للصيد معا، ويسمران فى كثير من الليالى، ولا يفترقان إلا على موعد.
قطز رسول أيبك فى قلعة الجبل:
أصبح عزالدين أيبك لثقته بتابعه قطز يبعنه برسائله ووصاياه الحاضة إلى السلطان، فصار قطز يتردد على قلعة الجبل يذهب برسالة ويعود برسالة، حتى أصبح معروفا عند رجال القصر السلطاني وحرسه، موثوقا به مأمونا جانبه، فكان ينطلق كما يشاء فى دهاليز القصر، وممراته دون أن يصحبه حارس أو رقيب.
وذات يوم بينما كان عائدا من القصر، مارا بالدهليز الذى تطل عليه مقصورة الملكة شجر الدر، حظية السلطان وزوجته، إذ بوردة تسقط قدامة فى الدهليز، فوقف هنيهة ينظر إليها، وهم بالتقاطها، ولكنه خشي من ذلك فتركها، ومضى فى سبيله، وعاد يوما آخر فلما بلغ ذلك الموضع عند منصرفه من القصر سقطت أمامه وردة ثانية كأختها الأولى، فعجب من أمرها وتحقق أنه مقصود بها، وأنها لم تقع أمامه اتفاقا، فنازعته (حدثته) نفسه أن يرفع طرفه إلى المقصورة ليرى الشخص الذى ألقاها، ولكنه تهيب ذلك لما سمع عن الملك الصالح أيوب من شدة الغيرة على نسائه وجواريه وما يدريه ألا تكون هذه تجربة أريد بها ابتلاء أمانته واستقامته، وأن يكون الشخص الذى ألقاها هو السلطان نفسه واقفا مع زوجته شجر الدر، فسرت فى مفاصله رعدة شديدة عندما خطر له هذا الخاطر، فطرد من نفسه حتى الهم بالتقاطها، وخشى حتى النظر إليها فمضى منطلقا فى طريقه.
قطز يفكر فى أمر الوردة:
وبقي قطز أياما وليالى يفكر فى أمر الوردة ويذهب فى تفسيرها كل مذهب، وود أن يخبر أحد أصدقايه أو خشداشيته بما شهد من هذا الأمر العجيب، ولكنه خاف أن يكون فى ذلك إفشاء لسر من أسرار القصر، فعدل عنه وعزم على الاحتفاظ بهذا السر حتى يتكشف له من تلقاء نفسه وظل ينتظر اليوم الذى يبعث فيه إلى القصر بفارغ الصبر، حتى جاء اليوم المنتظر، فذهب بقلب خافق يتنازعه الخوف والقلق والتطلع، وتلعب به الهواجس (الخواطر) المختلفة فتضطرب به بين الإقدام والإحجام (الامتناع، والتراجع، المضاد الإقدام) .
فلما وقعت الوردة أمامه فى هذه المرة الثالثة اشتد خفوق قلبه، واضطراب جسمه اضطرابا عظيما وعراه (أصابه) ذهول أفقده التماسك ولم يستطع اتقاءه (تجنبه، وتحاشيه) إلا بإبعاد ذلك الشىء الذى سبب له ما هو فيه، فخلص من ذلك الدهليز مندفعا فى طريقه غير شاعر بأنه قد التقط الوردة ورماها في جيب قميصه ليخفيها عن عينيه الزائغتين، وهبط من درج (طريق) القلعة الكبير ملتاث (مضطرب، المضاد هادئ) الخطى يكاد أن يقع على وجهه لولا حافظ من الاندفاع السريع عادل بين حركاته وستر ما بينها من التفاوت والاختلاف، والعرق يتفصد (يسيل) من جبينه، ويسيل بين ثيابه فلو رآه أحد لأنكره.
ولما خلا بنفسه فى غرفته، وأدار قميصه ليمسح عن صدره العرق، وجد الوردة فى جيبه، فعجب كيف لم يتذكر أنه التقطها، ونظر فيها مليا (زمنا طويلا، المضاد هنيهة، وبرهة) كأنه يستنطقها سرها، وإذ خطر له أنها ربما ألقتيا جارية عابثة من جوارى القصر، رماها من يده كأنه شىء يشمئز منه، وإنه لكذلك إذ جال بخاطره (تحرك فى نفسه) أن الفاعل ربما يكون حبيبته جلنار، قد ساقتها الأقدار فجعلتها من جوارى القصر، فهب من مضجعه واستوى جالسا على جانب سريره، وجعل يحدق (يدقق النظر، المضاد يسارق) في الزهرة الملقاة على الأرض ، فخيل إليه أنها تبتسم له ابتسامة حزينة، وعجب من نفسه كيف لم يخطر بباله هذا الظن من قبل على طول تفكيره فيها، وملازمة خيالها له، وعلى كثرة ما هام فى شوارع القاهرة ودروبها، وجاس (جال، ودار) خلال قصورها ودورها، راميا بصره نحو شرفتها، منقلا طرفه بين شبابيكها طمعا فى أن يلمحها، ويعثر على مقرها من تلك المدينة العظيمة، حتى كلت قدماه، وتعبت عيناه ووجع عنقه، وقام إلى الزهرة فالتقطها، وجعل يقبلها ويدنيها من صدره، ثم التفت ذهنه إلى قلعة الجبل فأخذ يسائل نفسه : أيمكن أن تطوى تلك القلعة الشامخة بين جدرانها الهائلة أمليه العظيمين اللذين يحلم بهما طول حياته : ملك مصر وجلنار؟ ثم كر (عاد، المضاد ذهب، وانصرف) راجعا على نفسه يلومها فى أخذها بالوهم العابر، وسكونها إليه كأنما حسبه أن يتوهم الشىء فيكون، وأن يفترض أنها حبيبته جلنار، فيستحيل فى الدنيا أن ترمي الوردة له جارية عابثة من جوارى القصر.
أليس الأجدر به أن يصبر على الحقيقة حتى تسفر (تكشف، وتوضح، المضاد تخفى) عن نقابها، وعلى الوردة الصامتة حتى تشى (تخبر، وتدل) بصاحبتها؟ فليتريث (يتمهل، المضاد تسرع، ويتعجل) وليختبر الأمر على مهل حتى يتبين وجهه، ولكن احترس يا قطز، فإنك فى مأوى الأسد !.
ولم يطل بقطز الانتظار في هذه المرة، إذ بعث إلى قلعة الجبل من غد ذلك اليوم، فذهب وقد نوى أن يسترق (يختلس) النظر إلى المقصورة إذا وقعت - وهو يرجو أن تقع أيضا - وردة أمامه ليرى من يلقيها، وقد شجع من قلبه، وسكن من جأشه (هدأ من ثورته) رجاؤه أن تكون صاحبة الوردة هى حبيبته جلنار.
رؤية قطز لجلنار:
ووقعت الوردة الرابعة، فرفع بصره، فرآها وعرفها، وابتسمت له، فابتسم لها، ثم اختفت، فانطلق لسبيله ومضى.
وصار قطز بعد ذلك يراها كلما صعد إلى القلعة، فيعود منها فرحا. كأنما ملك الدنيا واستيقظت فى قلبه ذكريات الحب القديم، واستبد به الحنين، وغلبته نشوة الظفر (فرحة الفوز) ونوازع (دواع) الفرح، واشتاق إلى صديق يبثه (يطلعه على، ويبوح له، المضاد يكتمه) ذات صدره، فيشاطره فرحه، ويحمل عنه بعض همه، فذهب إلى صديقه ركن الدين بيبرس البندقدارى، فأخبره بأنه عثر على حبيبته جلنار، وأنه رآها فى قصر السلطان من مقصورة الملكة شجر الدر، وقص عليه كيف تم ذلك، فلم يجد عند بيبرس طربا لهذا الخبر، كأن لسان حاله يقول : "أي شىء فى هذا ؟ وماذا يعنيك أن ترى جارية ترمى لك بوردة من شرفة عالية فى قصر السلطان لا سبيل إلى الوصول إليها ؟".
وأخذ بيبرس يصرفه عن ذلك ويخوفه من التعرض لجوارى القصر، ويذكر له ما عرف عن السلطان من شدة الغيرة على نسائه وجواريه، ويقول له : "إن فى غيرهن مندوحه (سعة، وفسحة) عنهن". وجعل يسفه (يستخف به) رأيه فى شدة التعلق بجارية واحدة مثلها فى النساء كثير، فرأى قطز أن لا فائدة فى الكلام مع من لا يعطف على شعوره، ولا يستطيع أن يعرف أن في الدنيا شيئا اسمه الحب تختلف به النساء الحسان فى عين صاحبه عن حبيبته المصطفاة! (المختارة).
استقالة العز من منصب القضاء:
وكان قد انقطع زمنا عن زيارة الشيخ عز الدين بن عبد السلام نزولا على أمر أستاذه عز الدين أيبك منذ تغير ما بين الشيخ وبين السلطان، فاستقال من منصبه في القضاء واعتزل الناس، فما يرى إلا يوم الجمعة يخطب على منبر جامع عمرو، وذلك أن الصاحب معين الدين وزير السلطان بنى غرفة له على سطح مسجد يجاور بيته؛ ليتخذها مقعدا له يقابل فيها أصدقاءه، فأنكر ذلك عليه الشيخ ابن عبدالسلام وأمر بهدم ما بنى، فلم يفعل، فشكا أمره إلى السلطان فتغاضى عنه، فما كان من الشيخ إلا أن غضب لدينه وقال كلاما شديدا فى السلطان ومضى بنفسه وأولاده يحملون المساحي (أدوات القشر والجرف) والفئوس حتى هدم البناء، ونقل ما على السطح، ثم أشهد على نفسه أنه قد أسقط شهادة الوزير فلا تقبل له شهادة، وأنه قد عزل نفسه عن القضاء وجهر بأنه لا يتولى القضاء لسلطان لا يعدل فى قضية، ولا يحكم بالسوية، وهكذا أرسلها العالم العظيم كلمة خالصة لله قوية مجلجلة (مدوية) ولم يثنه (لم يمنعه، ولم يضعفه) عن قولها ما كان بينه وبين السلطان من سابق الود، فما جهر بكلمة الحق فى وجه القوة بدمشق ليسكت عنها بمصر ولو ارتضى لنفسه مصانعة الملوك على حساب دينه، لما نفته دمشق ولكان له فيها ما يريد من الثراء الواسع والجاه العريض.
وقد سعى به جماعة من حساده - ومثله لا يخلو من الحساد - عند الملك الصالح أيوب، وجعلوا يوغرون صدره (يملئونه غيظا) عليه، ويقولون إنه لا يثنى (يمدح، المضاد يذم، ويهجو) عليه فى الخطبة كما يفعل غيره من خطباء الجوامع وإنما يدعو له دعاء قصيرا.
فردهم السلطان بغيظهم وقال لهم : "دعوه فإنى إلى دعائه القصير لأحوج منى إلى الثناء الطويل من غيره، وما عزلته عن القضاء وإنما عزل نفسه ولو قبل أن يعود إليه لأعدته، وما يملأ عينى من العلماء غيره، فإياكم أن تعودوا للسعاية (الوشاية) عندى بابن عبد السلام !".
لقاء بين قطز والشيخ العز:
فاشتاق قطز أن يرى شيخه ليبثه ما فى قلبه ويسترشد بنصيحته، فزاره سرا، ففرح به الشيخ، ولكنه نصحه ألا يعود إليه لئلا يتغير عليه أستاذه إذا بلغه أنه يخالف أمره، ووعده بأنه سيدعو الله له في سره، وأوصاه بالصبر على ما ابتلى به؛ حتى يجعل الله له مخرجا، فيجمع شمله بحبيبته على ما يحبه الله ويرضاه ورجع قطز من عند الشيخ بقلب راض ونفس مظمئنة، ولبث دهرا يكتفى من حبيبته بالنظرة العجلى (السريعة)، وبالأسبوع تنقضى أوائله وأواخره لا يراها إلا مرة أو مرتين حين يصعد القلعة فى حاجة لسيده.
ولكن الواشى (ناقل الأخبار للوقيعة) درى بأمر الحبيبين فما قرت (سكنت، وهدأت) بلاله(شدة الهم، والوسواس)، فقد علمت وصائف شجر الدر بما يدور في السر بين الوصيفة جلنار وبين مملوك الأمير عز الدين أيبك فوشين بها إلى سيدتها. فتربصت (انتظرت) الملكة حتى رأت بعينها صدق الوشاية، فعاتبت جاريتها على ما صنعت وتوعدتها (هددتها) بأن ترفع أمرها إلى السلطان إذا هي عادت لما نهيت عنه. فلم تجب المظلومة بغير دموعها، وسكتت على مضضها (ألمها، المضاد راحتها)، ولم تستطع أن تدلى بحجتها فى حب ابن عمتها وأليف صباها. ومن ذا كان يصدقها لو فعلت ؟
وبعثت الملكة إلى عز الدين أيبك بما كان من مملوكه، وأوصته أن يتخذ رسولا غيره إلى القلعة حفاظا لحرمة السلطان الغيور، واتقاء لغضبه، فصدع (استجاب) عز الدين بأمرها، وتلطف بمملوكه العزيز عليه، الأثير (المفضل) عنده، فعاتبه عتابا جميلا على ما كان منه، وأوصاه أن يتقى (يبتعد، ويتجنب) ذلك الحرم.
فبكى الملوك ولم يستطع أن يدلى بحجته فى حب ابنة خاله، وأليفة صباه ومن ذا كان يصدقه لو فعل ؟ وهكذا حيل (منع) بين الحبيبين، وبين ما كانا يتمتعان به من النظرات البريئة والبسمات الطاهرة وضرب بينهما بالأسداد (السدود)، فبكيا ما شاءا أن يبكيا، ولكن الأمل قد انتعش فى قلبيهما فعزاهما بعض العزاء. ولبثا عائشين على الأمل ينتظران فرجا من الله يرجوان أن يكون قريبا، وظل قطز في خدمة سيده كما كان، ولم يفقد من حظوته عنده وثقته به شيئا غير أنه لم يعد يحمل رسائله إلى القصر.
السلطان نجم الدين يفتح بلاد الشام:
ومرت السنون تباعا وتوالت الأحداث وطفق الملك الصالح أيوب يجرد الحملة تلو الحملة، ويبعث القائد من أمراء مماليكه؛ ليفتح بلاد الشام ويضمها إلى سلطانه. فاستولى على غزة والسواحل والقدس، ثم سلمت له دمشق، وهرب عدوه الصالح إسماعيل فلحق بحلب حيث استجار بحليفه الملك الناصر صلاح الدين فأجاره.
وكان الملك الصالح أيوب شعلة من النشاط، لا يهدأ ولا يفتر (يضعف، المضاد يقوى، وينشط) ولا يستريح من العمل الدائب في تنظيم بلاده وتجميلها، فقد عمر فيها الأبنية والقصور والقلاع والجوامع والمدارس ما لم يعمر أحد من سلفه مثله، حتى وهنت قوته، وساءت صحته، فقرر الانتقال إلى دمشق ليستشفى؛ عملا بنصيحة أطبائه حتى يبرأ من علته.
وانتقلت معه الملكة شجر الدر، وانتقلت مع الملكة حاشيتها ووصائفها وفيهن جلنار الحبيبة. ترى ماذا كان شعور قطز حين فصل (خرج) الركب السلطاني من مصر يؤم بحبيبته البلد الذى ارتضعا به أفاويق (اللبن فى الضرع، المراد سيلا دافقا متلاحقا) السعادة معا فى قصر يناوح (يقابل) قصر سيده ابن الزعيم ؟ ترى هل يمر الركب بهذا القصر؟ وهل تذكره جلنار فتتطلع إليه من سجف (ستر) هودجها بعينين دامعتين... ؟ وهل تقع عيناها على قصر آخر قريب منه لا تعلم أنه حنا على حبيبها يوم اضطهده موسى فى قصر أبيه ؟.
الصليبيون يغزون مصر:
شعر الصليبيون بالخطر الذى يتهدد إمارتهم بالشام من جراء (نتيجة) حملات الملك الصالح نجم الدين أيوب وانتصاراته، فأرادوا أن ينتهزوا فرصة إقامته بدمشق بعيدا عن عاصمة ملكه؛ ليغيروا على مصر بسفنهم من البحر، وكاتبوا لويس التاسع ملك فرنسا فى ذلك واتفقوا معه على أن يبحر إلى الشرق ويقود بنفسه حملة صليبية كبيرة بأساطيل عظيمة وجيوش عديدة يهجم بها على مصر.
فلما سمع المسلمون بذلك خافوا وأشفقوا على الإسلام أن تقهر قوته فى هذا المعقل (الحصن) الحصين (المنيع القوى) من معاقله، وبرز الشيخ ابن عبد السلام من عزلته فتزعم حركة الدعوة إلى الجهاد فى سبيل الله، وحض الأمراء على الاستعداد لملاقاة المغيرين ودفعهم عن بلادهم، ونسى ما بينه وبين السلطان من الخصومة، فكتب إليه أن يسرع بالرجوع إلى مصر لئلا يغار على مصر وسلطانها لاه (مشغول) باستشفائه، وكان مما قاله فى كتابه : "إن الإسلام فى خطر وصحة السلطان فى خطر، والإسلام باق، والسلطان فان فى الفانين، فلينظر السلطان أيهما يؤثر".
عودة السلطان أيوب إلى مصر:
فلما قرأ السلطان كتابه بكى وعجل بالرحيل فعاد إلى مصر محمولا على محفة لشدة مرضه، ولم يقصد القاهرة، بل نزل توا بأشمون طناح (أشمون الرمال) في قصر له هناك؛ ليكون على قرب من خط الدفاع ولم يسترح من عناء السفر، بل أسرع فشحن دمياط بالأسلحة والأقوات استعدادا للدفاع وبعث إلى نائبه بالقاهرة أن يجهز الشواني (السفن الحربية) من صناعة مصر، فشرع فى تجهيزها وسيرها فى النيل شيئا بعد شيء، ثم سير السلطان العساكر إلى دمياط، وجعل عليها قائده الأمير فخر الدين ابن شيخ الشيوخ.
وأقبلت أساطيل الفرج تحمل جموعها العظيمة بقيادة ملك فرنسا، وانضمت إليهم سفن فرنج ساحل الشام كله فأرست فى البحر بإزاء المسلمين، وسير ملك الفرنج إلى السلطان كتابا كله وعيد وتهديد. فلما قرئ الكتاب على السلطان اغرورقت (امتلأت بالدمع، المضاد خلت، وجفت) عيناه بالدموع، لا جزعا من غارة الفرنج وتهديدهم بل أسفا (حزنا، المضاد فرحا) وحسرة أن يحول مرضه المدنف (الشديد) دون ما تشتهى نفسه من كمال الاضطلاع (القيام، والنهوض، المضاد التقاعس) بدفع هذا الخطب العظيم.
وما لبث الفرنج أن أنزلوا جيوشهم في البر، وضُربت لملكهم خيمة حمراء، فجرت مناوشات (منازلة بالرماح) بينهم وبين المصريين وقعت على أثرها زلة (خطأ) من قائدهم الأمير فخر الدين إذ سحب العساكر ليلا من دمياط، فارتاع أهلها فتركوا ديارهم وخرجوا كأنما يسحبون على وجوههم طول الليل فارين إلى أشمون بمن معهم من الأطفال والنساء، حتى لم يبق بالمدينة أحد، فدخلها الفرنج فى الصباح، واستولوا على ما فيها من الآلات الحربية والأسلحة والعدد والأقوات والذخائر والأموال والأمتعة غنيمة باردة (مكاسب بلا حرب).
وبلغ السلطان الخبر فغضب غضبا شديدا، وقال للأمير فخر الدين : "ويلكم أما قدرتم أن تقفوا ساعة بين يدى الفرنج ؟ " وأمر توا بالرحيل إلى المنصورة، وحمل فى حراقة (سفينة حربية) سارت به إلى البحر الصغير حتى نزل بقصر المنصورة على النيل، وأمر عساكره فشرعوا فى تجديد الأبنية للسكنى بالمنصورة، وأقيمت بها الأسواق واصلح السور الذى على بجر النيل وستر بالستائر، وأقبلت الشواني المصرية بالرجال المقاتلة والعدد الكاملة، ولبّى (استجاب، المضاد رفض، وأعرض) المجاهدون والرجال المتطوعون من عوام الناس دعوة الجهاد فى سبيل الله والوطن، فأقبلوا من كل حدب (مكان مرتفع) ينسلون (يسرعون، المضاد يبطئون)، وجاءت جموع من العربان، فأخذوا يشنون الغارات على الفرنج ويناوشونهم.
شجر الدر تخفى نبأ وفاة السلطان :
ولكن العلة قد اشتدت على السلطان، وأحس دنو الأجل، فما أذهله ذلك عن التفكير في مصلحة الدين والوطن، فأوصى زوجته شجر الدر ومن يثق بهم من رجاله أن يكتموا موته إذا مات لئلا تضطرب قلوب المصريين وتذهب ريحهم (تضعف قوتهم)، كما أوصاها بأن تعد من يقلد توقيعه؛ ليستعان به فى المكاتبات على كتمان موته، حتى يقدم ابنه وولي عهده توران شاه من حصن كيفا.
وأسلم الملك الصالح روحه إلى الله وهو يذكره ويسأله أن ينصر المصريين ويحمي بيضة دينه (حامية دينه، المراد مصر)، وما عنده إلا زوجته وطبيبه، وحزنت شجر الدر على زوجها العظيم وحبيبها المخلص، ولكنها حبست دموعها ولم تدع الحزن يطغى عليها فينسيها وصية زوجها فى الاحتياط لمصلحة الدولة، وحفظ شمل المصريين مجتمعا، وهيبتهم فى صدور أعدائهم واقرة، فتركت جثة السلطان للطبيب يتولى غسلها وتحنيطها، وأحضرت الأمير فخر الدين والطواشى (الخصي) جمال الدين فنعت (أخبرت بموته، المضاد كتمت) إليهما السلطان ووصتهما بكتمان موته خوفا من الفرنج، ورسمت لهما الخطة التى يجب عليهما انتهاجها، ثم استقدمت الأمراء الذين بالمعسكر، وقالت لهم: "إن السلطان قد رسم بأن تحلفوا له، ولابنه الملك المعظم توران شاه صاحب حصن كيفا أن يكون سلطانا بعده وللأمير فخر الدين بالتقدمة على العساكر والقيام بالأتابكية وتدبير المملكه".
فقالوا جميعا: "سمعا وطاعة"، وأقسموا يمين الولاء قاطبة (جميعا) وأخذت شجر الدر تدبر الأمور وتصدر الأوامر حتى لم يتغير شيء، إذ بقى الدهليز السلطاني على حاله، والسماط (مائدة الطعام) فى كل يوم يمد، والأمراء يحضرون للخدمة، وهى تقول دائما: "السلطان مريض ما يريد أن يزعجه أحد"، ولكن مثل هذا الخبر العظيم لا يمكن أن يبقى طويلا مكتوما على الناس، فما لبثوا أن شعروا بأن السلطان قد مات، غير أن أحدا لا يجسر (لا يجرؤ) أن يتفوه به.
شجاعة المصريين وبسالتهم:
وما لبث الخبر أن تسرب إلى الفرنج فقويت نفوسهم فتقدموا من دمياظ فارسهم وراجلهم (مشاتهم)، ونزلوا على فارسكور وسفنهم على بحر النيل تحاذيهم. ثم تقدموا حتى نزلوا تجاه المنصورة يفصل بينهم وبين المصريين بحر أشمون (البحر الصغير) فاستقروا بمنزلتهم هذه، وحفروا خندقا عظيما، وبنوا حولهم سورا وستروه بالستائر، ونصبوا عليه المجانيق (آلات لقذف الحجارة) يرمون بها على معسكر المصريين، ووقفت شوانيهم بإزائهم فى بحرالنيل، ووقفت شوانى المصريين بإزاء المنصورة، وكان معظم عسكر المصريين فى المنصورة بالبر الشرقي، ورابط جمع منهم في البر الغربى حيث طلخة اليوم وفيهم جماعة من الأمراء الأيوبيين من أولاد الناصر داود وإخوته، وأخذ القتال يدور بين الفريقين برا وبحرا، فما من يوم يمر إلا ويقتل من الفرنج ويؤسر، وقد دأب (اعتاد) عامة المصريين على النكاية (الإيقاع، والهزيمة) بهم، فجعلوا يغتالون ويتخطفون كثيرا منهم، ويطرقون معسكرهم فإذا شعروا بهم ألقوا أنفسهم في الماء وسبحوا إلى برالمصريين.
وكانت لهم فى خطفهم حيل لطيفة يتفننون فى ابتكارها، ويتنافسون فى اختراعها، ومن ألطفها أن مصريا أخذ بطيخة فقورها وأدخل فيها رأسه وغطس فى الماء إلى أن قرب من بر الفرنج فظنوه بطيخة عائمة فما هو إلا أن نزل أحدهم فى الماء ليتناولها حتى اجتذبه المصرى فعام به حتى قدم به أسيرا.
هجوم الكند دارتوا وفرقته على المنصورة:
واستمر الحال كذلك قرابة شهرين حتى تعرف الأعداء مخائض (مواضع قليلة الماء يعبر فيها الناس) في البحر الصغير، فما راع الناس إلا فصائل من الفرج قد تجمعوا فى بر المسلمين، يقودهم بطل من أبطالهم هو الكند دارتوا أحد إخوة ملك فرنسا الثلاثة، الذين قدموا معه فى هذه الحملة ، وكان بطلا مغامرا فلم يكد يعبر المخاضة حتى اندفع بفرقته نحو المعسكر المصرى؛ لينفرد بظفر ذللك اليوم، وكان الأمير فخر الدين القائد العام حينئذ فى الحمام، فأتاه الصريخ فخرج مدهوشا وركب فرسه لينظر الخبر، ويأمر الناس بالركوب، وليس معه سوى بعض مماليكه فلقيه الكند وفرقته، فحملوا عليه، ففر من كان معه من المماليك وثبت وحده يقاتلهم ويدافعهم عن نفسه فصرع جماعة منهم حتى اجتمعوا عليه واعتورته (تداولته، وأصابته) السيوف من كل جانب.
وما إن علم الفرنج بمقتل الأمير فخر الدين حتى انتعشت نفوسهم، وأسكرتهم خمرة الظفر فانتشرت جنود الكند دارتوا فى أزقة المنصورة، حيث أمطرهم السكان وابلا من الحجارة والطوب والسهام، واقتحم هو بفرقته المعسكر، فتفرق الناس وانهزموا يمينا وشمالا حتى وصل إلى السدة (باب الدار) الخارجية للقصر السلطاني يفصل بينها وبين القصر فناء واسع فشرع رجال الحرس السلطانى يدافعون المهاجمين الذين يريدون اقتحام السدة، ولكنهم أدركوا أنهم لا قبل لهم (لا طاقة، ولا قدرة لهم) بهذا العدد الهائل من الفرسان المتحمسين، وقد جاءوا على غرة (غفلة) فبغتوهم (فاجئوهم)، فأخذوا يستغيثون بأمراء المماليك الصالحية - وكانت منازل هؤلاء قريبا من القصر وحوله؛ ليكونوا رداء (حماية، الجمع أرداء) للسلطان وذودا (دفاعا) دونه.
وكان هؤلاء لم يبرحوا بيتهم بعد ولم يخطر ببالهم قط مثل هذه المباغتة الجريئة فى تباشير الصباح، فما راعهم إلا الصريخ فقاموا إلى أسلحتهم وركبوا خيولهم فزعين إلى مصدر الصوت، فإذا هو آت من جهة القصر، وإذا نساء القصر قد رفعن أصواتهن بالصياح والعويل، وإذا بفرسان الفرنج قد دخلوا السدة، وانتشروا فى الفناء، وإذا عز الدين أيبك قد سبقهم إلى الصريخ ودخل من الباب الخلفي، فجعل يقاتلهم دون باب القصر وحوله جماعة من مماليكه، وبقية من الحرس السلطاني يقاتلون معه وفيهم مملوكه قطز.
بطولات قطز وبيبرس فى الدفاع عن القصر الملكى:
فحاول هؤلاء الأمراء دخول السدة فدفعهم عنها جماعة من الفرنج وقفوا دونها، فصرخ فيهم بيبرس صرخة أدخلت فى قلوبهم الرعب، وحمل هو وجماعته عليهم حملة صادقة فرقتهم أباديد (متفرقين) وجعل يحاول اقتحام السدة، وكان قطز قد جعل همه أن يشاغل الكند دارتوا ويضاربه بالسيف فيهيج الكند ويحمل عليه؛ ليضربه الضربة القاضية فيحيص (يحيد، ويهرب) عنه الشاب حتى يكاد الكند يقع عن فرسه، فيعود قطز لمناوشته مبتعدا به عن باب القصر شيئا فشيئا، فاستطاع بذلك أن يشغل الكند الهائج عن الاتصال بجماعته، ولم يكن أحد منهم ليجسر على مساعدته ضد مبارزة الشاب؛ لئلا يعد ذلك إهانة للكند وتمييزا له بالعجز عن القضاء على قرن (مثيل، ونظير) واحد، فتركوهما لشأنهما فلم يزالا يتواثبان وهما يبتعدان عن باب القصر، ويقتربان شيئا فشيئا من السدة، وكان بيبرس قد شتت جماعة الفرنج الواقفين دون السدة وأراد اقتحامها، فلحظ الكند ذلك، وخشى دخول فرسان المصريين، وقد سئم منازلة قرنه الشاب المراوغ (المخادع) فتخلى عنه، وانطلق جهة السدة فوجد بيبرس قد لزّ (شد، وضيق) بين مصراعيها، بين الفرنج الدافعين لها من داخل الفناء وبين المصريين الدافعين لها من خارجه.
فأهوى (انقض) الكند عليه بضربة قوية، كادت تفلق رأسه، لو لم يتقها بيبرس بسيفه، فانكسر سيف بيبرس ورفع الكند يمينه بالسيف ليضربه ضربة ثانية، فعاجله قطز بضربة، فهوى صريعا، فكبر قطز، وكبر بيبرس، وكبر المصريون إثرهما، ودفعت السدة ففتحت على مصراعيها، ودخل الأمراء المماليك وخلفهم الجنود، فتدفقوا فى الفناء، وكان الفرنج قد ذهلوا لمصرع قائدهم، واستولى عليهم الرعب فتفرقوا عن باب القصر يمينا وشمالا، وقصدوا السدة؛ ليخرجوا منها فرارا بأنفسهم، فأمر بيبرس بإغلاقها، وقال لمن لم يدخلها بعد من المصريين: "ابقوا مكانكم نحن نكفيكموهم" فحال بذلك بين الفرنج وبين الفرار، ووضع المصريون فيهم السيف حتى أتوا على آخرهم.
وإذا غادرنا ساحة القصر، وتركنا شجر الدر ووصائفها يحمدن الله جميعا على ما منّ (أنعم) به على المصريين من تباشير (بوادر) النصر، ويممنا (قصدنا، واتجهنا) ميدان القتال فى شمال المنصورة وبين أزقتها، وجدنا ملك فرنسا قد وصل إلى الميدان بعد أن نام أخوه نومته الأبدية بساعة.
وبعد أن اتقد المصريون حماسة لما أحرزوه من النصر في ساحة القصر. فحاول الاستيلاء على تل جديلة الذى نصب المصريون عليه مجانيقهم وأبراجهم وجمعوا فيه قواتهم وعددهم، وأراد أن يستكمل بناء القنطرة من الناحة الجنوبية للبحر الصغير؛ حتى يعبر الرجال إليه.
وقد نجح في ذلك كله وفاز بما أراد. ولكن المصريين قد استيقظوا من سباتهم، وانتبهوا من غفلتهم، ووطنوا (عودوا) أنفسهم على بذل أرواحهم فداء لله ولمصر، فجمعوا صفوفهم كأنها بنيان مرصوص، وحملوا حملة واحدة مزقت صفوف الأعداء وشتتتهم بددا (فرقتهم قطعا) وأذهبت ما صنعوه من التدبير سدى (ضاع بدون فائدة) وانهزموا إلى تل جديلة فلاذوا به. وما كان التل ليعصمهم (ليحميهم) من أيدى المصريين لو لم يحجز الليل بين الفريقين.
قدوم السلطان توران شاه، وأسر لويس التاسع :
وقدم السلطان الجديد بعد أن طوى السهول وجاب القفار؛ ليخلف أباه السلطان الصالح، ففرح الناس وقويت شوكة المصريين، وكانت الميرة (الطعام) ترد للفرنج من معسكرهم بدمياط فى بحر النيل، فصمم المصريون على أن يقطعوها فيقضوا بذلك عليهم، فصنعوا سفنا جديدة وحملوها مفصلة على الجمال إلى بحر المحلة، فألقوها فيه وشحنوها بالمقاتلة فسارت بهم حتى وقفت عند مجمع البحرين فكمنت هناك، فلما جاءت مراكب الفرنج خرجت لها من مكمنها (موضع اختبائها) فنازلتها وأخذتها أخذا وبيلا (ثقيلا، المضاد خفيفا). غنم المصريون اثنتين وخمسين سفينة مشحونة بالأرزاق والأقوات، وقتلوا ألفا من العدو أو يزيدون.
وما إن انقطع المدد من دمياط عن العدو حتى أذاقهم الله لباس الجوع والخوف، وصاروا محصورين لا يطيقون المقام ويخشون الذهاب، فضاقت بهم أنفسهم وبلغت قلوبهم الحناجر فأحرقوا مراكبهم بمثل ما يتقد فى نفوسهم من نار الغيظ، ثم خربوا بيتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين، وقوضوا (هدموا، المضاد بنوا، وشيدوا) معسكرهم ورحلوا جميعا يريدون دمياط، وولى أسطولهم فرارا معهم فركب المصريون أقفيتهم، واتبعهم الأبطال الذين أنجبتهم أرض مصر، حتى إذا بلغوا فارسكور لقيهم الموت من أمامهم، وطلبهم الموت من خلفهم، وأحاط بهم المصريون فأعملوا فيهم سيوفهم، وأوسعوهم قتلا وأسرا، والتجأ الملك الخاسر إلى تل المنية، منية عبد الله؛ ليعصم نفسه من الموت، حتى تم بينه وبينهم الأمان فكان من المعتقلين.
مناقشة الفصل العاشر من قصة وا إسلاماه
ثم الذهاب إلى سوق الرقيق بالقاهرة لعله يجد أحدا من النخاسين يعرف عنها خبرا فجعل يتسلل من مولاه ويتردد على سوق الرقيق، ويسأل كل قادم من تجارة عن جارية تدعى جُلَّنَار .
فما كان من السلطان أن بكى وعجل (أسرع) بالرحيل والعودة إلى مصر محمولاً على محفة لشدة مرضه ، ولم يقصد القاهرة، بل نزل تواً بأشمون طناح " أشمون الرمان " (بمركز دكرنس بالدقهلية حالياً ) في قصر له هناك ليكون على قرب من خط الدفاع .
كما أوصاها بأن تعد من يقلد توقيعه ليستعان بها في المكاتبات ؛ حرصاً على كتمان موته حتى يأتي ابنه وولي عهده توران شاه من حصن كيفا .
****
وفي النهاية مع هذه الصفحة الممتعة بإذن الله. يسعدني مشاركتكم لهذا الفصل العاشر مع جميع أصدقائكم المهتمين بالتعليم الإلكتروني. وجميع طلاب وطالبات الصف الثاني الثانوي علمي أو أدبي . وفقنا الله جميعا لكل ما يحبه ويرضاه.