السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أبنائي طلاب وطالبات الصف الثاني الثانوي. يسعدني في موقعنا الذي يهدف إلى نشر العلم بالمجان الماس لتطوير الذات والتعلم الذاتي mr-mas.com أن أقدم لكم قصة وا إسلاماه - الفصل الثالث عشر . وا إسلاماه 13- قطز يتولى الملك ويستعد لغزو التتار . ضمن منهج اللغة العربية. ترم تانى .
والجديد والجميل في هذه الصفحة بفضل الله هو عرض نص الفصل الثالث عشر من قصه وا اسلاماه مكتوبا مع معاني الكلمات الصعبة بطريقة شيقة وجذابة. بحيث يتم الضغط على الكلمة وذلك للتوصل للمعنى أو المضاد أو المفرد أو الجمع وذلك للكلمة الملونة باللون الأحمر . وكذلك تم تحويل الفصل الثالث عشر وا إسلاماه 13- قطز يتولى الملك ويستعد لغزو التتار. إلى سؤال وإجابة للتمكن من تحليل كل النقاط المهمة في الفصل من قصه وا إسلاماه .
نبدأ أولا بفيديو لملخص الفصل الثالث عشر قطز يتولى الملك ويستعد لغزو التتار . بالرسوم المتحركة (الكارتون cartoon) . اضغط هنا على هذا الرابط لبدء تشغيل فيديو الفصل الثالث عشر من قصة وا اسلاماه. ضمن منهج تانيه ثانوي ترم تاني .
***
بيبرس وجماعته يحرضون الناصر على قتال المعز:
لما قدم بيبرس وجماعته الغاضبون إلى دمشق أكرمهم الملك الناصر، وأغدق عليهم الأموال، وخلع عليهم (أعطاهم) على قدر مراتبهم، وما استقر بهم المقام عنده حتى جعلوا يحرضونه (يشجعونه، ويدفعونه، المضاد يبعدونه) على قتال المعز وانتزاع مصر من يده، فظل الناصر يدافعهم (يحاميهم) عن ذلك، لا يجيبهم إلى ما طلبوا، ولا ييئسهم من إجابته، حتى تجدد الصلح الأول بينه وبين الملك المعز منصوصا فيه على ألا يؤوى الملك الناصر أحدا من المماليك البحرية.
جيش الملك المغيث يهجم على مصر بقيادة بيبرس:
فما كان منهم إلا أن غادروا دمشق ولحقوا بالملك المغيث فى الكرك، فأقاموا عنده يحثونه على غزو مصر، ويعرضون عليه مساعدته في ذلك، فتردد الملك المغيث برهة حتى بلغه موت الملك المعز، فتشجع وسير عسكرة مع بيبرس في ستمائة فارس، فجهز الأمير سيف الدين قطز عسكرا لقتالهم، فالتقى الجمعان بالصالحية، فانكسر (انهزم) عسكر المغيث وانهزم بيبرس إلى الكرك.
شق على بيبرس أن يغلب في هذه المعركة، وكان قد منى نفسه بالتقدم إلى مصر وأخذها من يد المعز، والانتقام لرئيسه أقطاى منه ومن أصحابه، ولا سيما صديقه قطز الذى أقسم هو ليقتلنه بيده، ولما رجع من هزيمته إلى الملك المغيث بالكرك آنس (وجد) منه وحشة (عدم مودة)؛ لأن المغيث اعتقد أنه غدر به وبعسكره إذ حرضه على غزو مصر، فرأى بيبرس أن يعود إلى الملك الناصر لعله يجد عنده من العزم على غزو مصر في هذه المرة بعد مقتل المعز ما لم يجد عنده من قبل، فبعث إلى الناصر يستأمنه ويستحلفه، فأمنه الناصر وحلف له، فرجع بيبرس إليه، وعاد الناصر إلى بره وإكرامه.
عودة خطر التتار :
وكان خطر التتار في ذلك الحين قد عاد يتهدد بلاد الإسلام بأشد مما كان فى أيام جنكيز خان، فقد انحدر منهم جيش كبير بقيادة طاغيتهم الجديد هولاكو فعصفوا (أهلكوا، ودمروا، وأبادوا، المضاد أحيوا) بالدولة الإسماعيلية فى فارس، ثم زحفوا على بغداد فقتلوا الخليفة أشنع قتلة، ثم مضوا يسفكون الدماء، وينتهكون الأعراض، وينهبون الدور، ويخربون الجوامع والمساجد وعمدوا إلى ما فيها من خزائن الكتب العظيمة فألقوها في نهر دجلة حتى جعلوا منها جسرا مرت عليه خيولهم! واستمروا على ذلك أربعين يوما، وأمر هولاكو بعدّ القتلى بعد ذلك فبلغت عدتهم زهاء مليونى نفس !.
سرت أنباء هذه الفاجعة التى حلت بعاصمة المسلمين الكبرى، فاهتز لها العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وامتحن الله بها قلوب ملوكه وأمرائه ليعلم من يثبت منهم على دينه، فينتدب لجهاد أولئك البغاة (الظالمين) المشركين، ومن يرتد منهم على عقبيه (عظم مؤخر القدم) جزعا من الموت، وخوفا على ما في يده من زينة العاجلة، ومتاع الحياة الغرور، فيوالى أولئك البغاة ويمالئهم (يعاونهم، ويناصرهم) على دينه وأمته ووطنه، فهذا الأمير بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قد خشي التتار فأعانهم على إخوانه المسلمين المجاهدين بأربل. وهذا الملك الناصر صاحب دمشق، سليل هازم الصليبيين وسميّه (نظيره)، قد أنفذ ابنه الملك العزيز بهدايا إلى طاغية التتار ليسأله فى نجدة يأخذ بها مصر من المماليك.
الفرصة تسنح لقطز للانتقام من التتار :
ولكن في مصر - مصر التى حمت الإسلام يوم فارسكور وهزمت الصليبيين، وسجنت لويس التاسع في دار ابن لقمان، وردته إلى بلاده بخفي حنين - رجلا كأنما أعده جبار السماء للقاء جبار الأرض ! ومن أصلح لجهاد التتار من زوج جلنار الذى كان كل همه فى الحياة أن يعيش حتى ينتقم منهم لأسرتهما المجيدة - وهذا حظ نفسه - وحتى ينتصف (ينتقم) منهم للإسلام - وهذا حظ دينه وملته ؟ فلم يكد نائب السلطنة المصرية يسمع بما حل ببغداد من نكبة التتار، وبتحفز هولاكو للانقضاض (الهجوم) على سائر بلاد الإسلام، حتى ثارت شجونه، وتمثلت له ذكريات خاله جلال الدين وجده خوارزم شاه، وما كان من جهادهما لهم فى عهد طاغيتهم الأكبر جنكيزخان، وكيف انتهى ملكهما على أيديهم وتشتت شمل أسرتهما فصاروا فى الناس أحاديث، وأيقن أن دوره العظيم قد جاء لينتصف حفيد خوارزم شاه من حفيد جنكيز خان، وأن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأت تتحقق، أليس هو اليوم حاكم مصر، ومدبر دولتها، ومصرف أمورها وليس لسلطانها الصغير إلا الاسم ؟. طمأنة قطز للمصريين:
وقد سرى الخوف من التتار إلى مصر لكثرة اللاجئين إليها من العراق وديار بكر ومشارف الشام. وأخذ هؤلاء يحدثون الناس بفظائع التتار وأفاعيلهم المنكرة من أشياء تقشعر لها الأبدان، وتنخلع (تتزعزع) القلوب جزعا وهلعا، فما يشك الناس بمصر فى أن التتار آتون إليهم لا محالة، وأن دورهم سيحين يوما ما. وقد شاع فيهم اعتقاد قوى بأن التتار قوم لا يغلبون ولا يقاوم لهم جيش، ولا تتقى منهم حصون، فانتشر بينهم الذعر، وعزم فريق منهم على الرحيل عن مصر إلى الحجاز أو اليمن، وعرضوا أملاكهم ليبيعوها بأبخس الأثمان، فكان على نائب السلطنة أن يبذل جهودا عظيمة لطمأنة الناس وتسكين خواطرهم، وإفهامهم أن التتار ليسوا إلا بشرا مثلهم، بل هم بما أعزهم الله به من الإسلام أقوى من أولئك الوثنيين وأجدر أن يثبتوا لليأس، وأن يبيعوا نفوسهم غالية فى سبيل الله ودينه.
العز يشجع قطز على الاستقلال بالسلطنة:
وكان الأمير سيف الدين قطز في خلال ذلك يختلف (يتردد، ويذهب) سرا إلى بيت شيخ الإسلام ابن عبد السلام ويستشيره فى أمور كثيرة، فإذا سأله الشيخ عما أنجز من الأعمال استعدادا لقتال التتار، شكا إليه قطز ما يلقاه من المصاعب، لمكان الملك الصبي، والتفاف بطانة (أعوان) السوء حوله وحول أمه، يفسدون ما بينه وبين قطز فيتصدى لخلافه فيما يرى القيام به لازما في هذا الموقف، وكان الملك المنصور قد كثرت مفاسده، وشغل عن شئون الملك باللعب، وتحكمت أمه، فاضطربت الأمور وكرههما الناس. فأخذ ابن عبدالسلام من ذلك الحين يشجع قطز على خلع الملك والاستقلال بالسلطنة دونه، بل جعل يوجب ذلك عليه إذ ليس فى البلاد أصلح منه لجمع كلمة المسلمين؛ حتى يتأهبوا لدفع غائلة (شر، وفساد) التتار عن بلادهم.
وقد كان عزيزا على قطز المعزى أن يخلع ابن المعز أستاذه وولى نعمته، وتردد طويلا فى ذلك، وود لو استطاع أن يمضى فى عمله مع بقاء المنصور في السلطنة، ولكنه رأى استحالة ذلك فى مثل هذا الموقف العصيب (شديد الهول) الذى يحتاج إلى اجتماع الكلمة وسرعة البت فى الأمور. فكان عليه أن يختار بين الوفاء لأستاذه الذاهب والوفاء لمصر الباقية، وفي الأول تعريض سلامة مصر وسلامة سلطانها نفسه لخطر التتار، وفى الثانى الرجاء فى حمايتها وحماية سائر بلاد الإسلام من هذا الخطر الداهم (الأسود المفاجئ) فصح عزمه على خلع المنصور.
استنجاد الملك الناصر بملك مصر :
واتفق إذ ذاك أن بعث الملك الناصر صاحب دمشق رسولا إلى سلطان مصر الملك المنصور يستنجد بجيش مصر لصد التتار عن بلاده بعد أن يئس من إجابة هولاكو مطلبه، إذ كتب إليه هولاكو يأمره بالخضوع له وتسليم البلاد إليه، فاغتنم قطز هذه الفرصة، وعقد مجلسا بقلعة الجبل عند الملك المنصور، دعا إليه الوزراء والأمراء والعلماء والقضاة وأهل الحل والعقد، وحضره سفير الملك الناصر، فتذاكزوا أمر التتار، وما أوجب الله على المسلمين من جهادهم، ودفع شرهم عن البلاد، وحفظ بيضة الإسلام منهم، فشعر الحاضرون شعورا واضحا بضعف السلطان، وعدم صلاحيته للحكم فى مثل هذه الظروف الحرجة، وأن لابد من سلطان قوى حازم يضطلع (ينهض، ويقوم) بهذا الأمر الكبير حتى لا يختلف الناس وتذهب ريحهم (تضيع قوتهم).
وكان الشيخ ابن عبدالسلام فيمن حضر ذلك المجلس من العلماء. فجهر بهذا الرأى فى غير تعريض، واقترح أن يلى الحكم الأمير سيف الدين قطز لصلاحه وقوته، حتى تتفق كلمة المسلمين، فدهش أهل المجلس من شجاعة الشيخ ابن عبد السلام وصراحته، وأشفق عليه أصحابه ومحبوه أن يصيبه سوء من قبل السلطان والأمراء الذين يعز عليهم أن يخضعوا لقطز، ويستأثر دونهم بالسلطة، وحصل اضطراب فى المجلس، وجهر الأمراء المماليك المعزية منهم والصالحية برفض الاقتراح وعدوه افتئاتا (افتراء، المراد تعديا) على حق الملك المنصور، وكان أشدهم في ذلك الأميران علم الدين سنجر الغتمي وسيف الدين بهادر وغيرهما من مماليك المعز، وكاد يحصل ما لا يحمد في المجلس، فمنهم من يميل إلى الأمير قطز وهم سواد الناس (عامتهم)، ومنهم من يميل إلى الملك المنصور وجلهم (أكثرهم، ومعظمهم) من الأمراء وأتباعهم، وخشى الأمير قطز على الشيخ ابن عبد السلام أن يجنى عليه الأمراء، فرتب رجالا أشداء لحراسته حتى أبلغوه مأمنه، وظلوا بعد ذلك يحرسونه أينما ذهب.
قطز يعلن نفسه سلطانا على مصر:
وانتهز الأمير قطز فرصة خروج كبار الأمراء ذات يوم للصيد، فقبض على المنصور وأخيه فاقان وأمهما واعتقلهم فى برج قلعة الجبل، وأعلن نفسه سلطانا على مصر، وجلس على سرير الملك، وتلقب بالملك المظفر. ولما رجع الأمراء من الصيد وبلغهم ما فعله نائب السلطنة ركبوا إلى قلعة الجبل وأنكروا ما كان من قبض قظز على المنصور وتوثبه على الملك، فاستقبلهم السلطان الجديد استقبالا حسنا، وألان لهم الحديث، واعتذر لهم بحركة التتار إلى جهة الشام فمصر، والتخوف مع هذا من الناصر صاحب دمشق أن ينضم إلى التتار ويستنجد بهم للإغارة على مصر، وقال لهم : "إنني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتى (يتحقق) ذلك بغير ملك قادر، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم، أقيموا فى السلطنة من شئتم، وإذا كان فيكم من يرى نفسه أقوى منى على الاضطلاع بهذا الأمر فليتقدم إليّ لأحله محلى فيعفينى من هذه التبعة (المسئولية) العظيمة، ويتحمل مسنولية حفظ بلاد الإسلام أمام الله ". فسكت الأمراء جميعا ونظر بعضهم إلى بعض ثم انصرفوا.
وورد الخبر إلى مصر بأن الملك الناصر لما استبطأ جواب سلطان مصر أخذ يفاوض التتار مرة أخرى ليساعدوه على غزو مصر، فشق هذا على الملك المظفر ودعا السفير الشامي فقال له: "أما يستحيى صاحبك أن يستنجد بنا على عدو الإسلام، ثم يستنجد به علينا؟ إذا لم يكن عنده إسلام فلتكن عنده مروءة!".
فجعل السفير يهدئ من غضب الملك المظفر ويقول له : "لعله استبطأ جوابكم فخشى أن تكونوا ضده"، فقال له الملك المظفر وهو يتميز من الغيظ (يتقطع قلبه من شدة الغيظ) : "فهب أننا كنا ضده لما بيننا من سالف الخلاف والتنافس، أيرضى لنفسه ولدينه أن يتطوع لأعدائه وأعدائنا وأعداء الإسلام فيعينهم علينا، ويمهد لهم السبيل للإغارة على بلادنا والقضاء على ما بقى فيها من دين وإيمان ؟ والله لئن لم يكف عن خيانته للدين لأسيرن إليه فأحطمنه قبل التتار!".
عودة بيبرس إلى مصر:
أما بيبرس فقد كان فى غزة لما بلغه قبض خصمه الأمير قطز على الملك المنصور، وإعلان نفسه سلطانا على مصر، ففكر فى مصالحة عدوه وصديقه القديم، فبعث إليه يعترف له بالسلظنة، ويعظم شأنه ويصف له ما يكابده هو من ذل الغربة وعذاب التشرد، ويتوسل إليه بحق الصداقة القديمة أن يقيل عثرته (يقبل عذره) ويقبل خدمته، ويأذن له بالرجوع إلى مصر؛ ليشد أزره فى عزمه على قتال التتار.
فلما قرأ الملك المظفر كتابه، أدركته الرأفة فبكى، وقال : "الحمد لله قد عاد صديقى القديم إلى". وكتب إليه جوابا رقيقا يسأله القدوم عليه، ويعده بالوعود الجميلة. ففارق بيبرس غزة وسار فى جماعة من أصحابه عائدا إلى مصر، فلما قارب القاهرة ركب الملك المظفر للقائه، فعانقه واستقبله استقبالا حسنا، وأنزله بدار الوزارة وأقطعه قصبة قليوب وأعمالها، وأخذ الملك المظفر بعد ذلك يقريه إليه ويستشيره فى أموره، ويبالغ في إكرامه ومجاملته خشية من نزواته (زلاته، ووثباته)، ولم ينس ما يضمره (يخفيه، المضاد يظهره) له كبير أتباع أقطاى من الخصومة والحقد، فاجتهد أن يستل (ينتزع) سخيمته (حقده) من صدره، ليتخذه عضدا (معينا) له في جهاد أعداء الإسلام، لما يتصف به بيبرس من الشجاعة والبأس، وكثيرا ما نصحه بعض بطانته بالقبض على بيبرس حتى يأمن جانبه فلا ينقض عليه في وقت الخطر، فكان يعرض عنهم ويقول لهم : "دعونى وصديقى بيبرس، ليس لى أن أحرم المصريين فضل بأسه وشجاعته".
وكان بيبرس في بدء إقامته بمصر يظهر الإخلاص للملك المظفر والاستعداد لخدمته ومناصرته، ولكنه سرعان ما نسى جميل المظفر وإحسانه إليه، وعندما كثر اجتماعه بزملائه من المماليك الصالحية الذين رأوا الأمر قد خرج من أيديهم منذ مقتل أقطاى، وغلبهم عليه المماليك المعزية، فأوغروا صدره (حرضوه) على الملك المظفر وحسنوا له الانتقاض عليه لاسترجاع سالف سلطانهم، وذكروه بثأر رئيسهم فارس الدين أقطاى، فصادف هذا هوى فى نفس بيبرس، ولكنه أوصاهم بالكتمان، وإرجاء الأمر إلى الحين المناسب، ريثما يدبرون مكيدة للقبض على الملك المظفر وحلول بيبرس محله.
قطز يفكر في جمع المال لتقوية الجيش المصرى:
وكان الملك المظفر إذ ذاك يفكر في تدبير المال اللازم لتقوية الجيش المصرى، وتكثير عدده، وتجهيزه بالأسلحة والعدد وآلات القتال وجمع الذخائر والأقوات والأرزاق الكافية لإعاشته وتموينه - إذ ليس ببيت المال ما يكفى للقيام بهذا الأمر العظيم - فخطر بباله أن يفرض ضريبة على الأمة وأملاكها لجمع المال اللازم، فعقد مجلسا حضره العلماء والقضاة والأمراء والوزراء والأعيان، وفى مقدمتهم الشيخ عزالدين بن عبد السلام، فاستفتى الملك المظفر العلماء فى جواز فرض الأموال على العامة لإنفاقها على الجيش.
فتوى العز بأخذ أموال أمراء المماليك :
فتهيب (تخوّف) العلماء في الإفتاء وخافوا إن هم أفتوا بالجواز أن يغضبوا العامة عليهم، وإن أفتوا بالمنع أن يبوءوا (يعودوا، ويرجعوا، المراد يغضبوا) بغضب السلطان، فظلوا يتدافعون (يتباعدون) الإفتاء حتى صدع (جهر، المضاد أسر) ابن عبد السلام بفتياه العظيمة، فسكت العلماء وانفض المجلس على ذلك. وكانت الفتيا صريحة فى وجوب أخذ أموال الأمراء وأملاكهم حتى يساووا العامة في ملابسهم ونفقاتهم، فحينئذ يجوز الأخذ من أموال العامة، أما قبل ذلك فلا يجوز.
فحار الملك المظفر فى الأمر؛ لأنه إن سهل عليه الأخذ من أموال العامة فليس من اليسير عليه أن يأخذ من أموال الأمراء دون أن يحدث ذلك شغبا (فتنة، واضطرابا، المضاد هدوءا) فيهم قد يوقد فى البلاد فتنة يصعب إطفاء نارها، فبعث إلى الشيخ ابن عبدالسلام، وشرح له صعوبة الأخذ من أموال الأمراء، وتلطف معه ليفتيه بجواز الأخذ من أموال العامة، إذ صعب الأخذ من أموال الأمراء فلم يرض ابن عبدالسلام وقال له : "لا أرجع فى فتواى لرأى ملك أو سلطان"، وذكره بالله وبالعهد الذى قطعه على نفسه أن يقوم بالعدل وينظر لمصلحة المسلمين، وأغلظ له (عنفه) فى ذلك حتى لم يشك الحاضرون فى أن السلطان سيقبض عليه، فما كان من الملك المظفر إلا أن اغرورقت (امتلأت، المضاد جفت، وجمدت) عيناه بالدموع، وقام إلى الشيخ فقبله على رأسه قائلا : "بارك الله لنا ولمصر فيك. إن الإسلام ليفتخر بعالم مثلك لا يخاف فى الحق لومة لائم".
وبعث الملك المظفر إلى الأمير بيبرس فاستشاره فى هذا الأمر الخطير، فخوفه بيبرس في أول الأمر من عاقبة الأخذ من أموال الأمراء، وأكد له أنهم سينقضون عليه ولا يطيعونه، وكان غرضه بذلك أن يحمل الملك المظفر على نقض ما أفتى به ابن عبد السلام؛ ليغضب هذا العالم لدينه فيثير الناس على المظفر، ولكنه لما بلغه أن المظفر رضى عن الشيخ تشدده فى التمسك بفتياه، وأثنى عليه لذلك ، رجع بيبرس إلى المظفر وقال له : "قد رجعت عن رأي الأول وأرى الآن أن تمضى ما أفتى به الشيخ ابن عبدالسلام، وسأكون أول من ينزل عن أملاكه لبيت المال"، وكان بيبرس يريد بهذا أن يثور الأمراء على الملك المظفر، ويخلعوه ويولوا بيبرس مكانه، وقد اجتمع بهم سرا وحرضهم على ذلك، وأنذرهم بأن قطز سيجردهم من أملاكهم وأموالهم ويساويهم بالعامة، وأن فى ذلك إخلالا بشرفهم، وإسقاطا لحقوقهم ولن تقوم لهم بعد ذلك قائمة.
وأخذ أولئك الأمراء يستعدون لذلك اليوم الذى يفاتحهم فيه المظفر بالنزول عن ممتلكاتهم لبيت المال، وتشاوروا طويلا فيما يقابلونه به عندما يحاول التنفيذ، وكانوا موقنين بأنه سيأخذهم بالشدة، فتهيئوا لمقابلتها بمثلها ولو أفضى بهم ذلك إلى قتله.
مواجهة بين قطز وبيبرس:
وانتهى شىء من خبرهم إلى الملك المظفر فدعا الأمير بيبرس إليه وخلا به وقال له : "اتق الله يا بيبرس فى دينك ووطنك، إننا لسنا فى وقت يكون لنا فيه أن نتنافس على الملك، فأمامنا تبعات جسام (عظيمة) نحو الأمة والملة. وقد ترى كيف يغير هؤلاء التتار المتوحشون على أطراف الشام وهم قادمون إلينا. فإذا لم ننهض لصدهم فسيكون مصيرنا مصير بغداد، وقد تعيّن علينا الجهاد فى سبيل الله، فلنمض له ولنجمع عليه، ولا تفرقنا المطامع والأهواء ولا الإحن (الأحقاد) والعداوات"، فحاول بيبرس أن يتنصل (يتبرأ) مما عزي (نسب) إليه، فبدره (عاجله) السلحطان قائلا: "لاتنكر ذلك بالقول يا بيبرس، ولكن أنكره بفعلك، واعلم أننى لو أردت قتلك لما أعجزنى ذلك، ولكنى أضن برجل مثلك أن يقتل فى غير سبيل الله، وأريد أن أستبقيك ليوم مع أعدائنا مشهود تكون لك فيه البطولة والفضل". قال بيبرس وقد ظهر الغضب فى وجهه : "أتهددنى يا سيف الدين ؟ فوالله إنى لأقوى منك ناصرا، وأكثر جندا". قال السلطان : "وإنى والله لا أهاب عددك، ولا أخشى ناصرك، ولو امتلأ الوادى بشيعتك من منبعه إلى مصبه لرجوت الله أن ينصرنى عليك، ويكفينى شرك لو أفردت وحدى، فإن حسبى الله، به حولى وقوتى، وهو نعم الوكيل!".
فأطرق (أمال رأسه، وسكت) بيبرس مليا (وقتا طويلا)، فمضى السلطان يقول : "إنك جئت إلى وقد تقاذفتك بلاد الله الواسعة، فضاقت عليك بما رحبت. تستقيلنى (تطالبنى بالصفح عنك) فأقلتك وقبلت عذرك، وأدنيتك من مجلسي، واتخذتك صفيا (صديقا وفيا) لى، لا أقطع أمرا دونك، وأقطعتك من مال البلاد لتقوم بخدمتها، فقل ماذا تنقم (تعيب) منى فأنصفك (أعطيك حقك) من نفسى؟". فرفع بيبرس رأسه وقال وقد سكت عنه الغضب: "إنى ما أنقم منك إلا سوء ظنك بى".
- إنك أنت الذى أفسدت رأيى فيك، وإنى لمستعد لأعود لحسن ظنى بك إذا قمت بواجبك نحو دينك وأمتك.
- ماذا تريد منى أن أصنع لترجع عن سوء رأيك في ؟
- ابسط يدك فعاهدنى أن تكون معى على هؤلاء المؤتمرين من شيعتك، الذين طالما شبعوا من أموال الأمة، ثم بخلوا عليها بالقليل حين تعرضت سلامتها للخطر.
- أعاهدك بشرفي وديني أنى أقاتل معك أعداء الإسلام التتار حتى تنتصر عليهم أو أقتل دونك، أما الأمراء الذين ذكرت فشأنك وشأنهم، لا أعينك عليهم ولا أعينهم عليك.
فمد السلطان يده فصافحه قائلا: "حسبى هذا منك أن تقاتل معى التتار وأن تكون بصدد (سبيل) الأمراء كفافا (محايدا)، لا على ولا لى "، وحلفه على ذلك فحلف له بيبرس.
قطز يطلب من الأمراء التبرع بفائض أموالهم لتقوية الجيش:
ولم ينم الملك المظفر ليلته تلك، فقد قضاها ساهرا يفكر فى طريقة يحمل بها الأمراء على تسليم ما عندهم من ذهب وفضة، وفى الصباح دعا وزيره يعقوب بن عبدالرفيع وتشاور معه طويلا، ثم اتفقا على أمر نوى التصميم عليه.
ودعا الأمراء المماليك إلى مجلس القلعة، فلما حضروا جميعا دخل عليهم المظفر فقاموا له وحياهم جميعا، ثم بسط لهم القضية التى دعاهم من أجلها وكان مما قاله لهم: "إن الأمراء هم جنود الدولة، جاءوا إلى هذه البلاد من أسواق الرقيق لا يملكون شيئا، فغنوا من أموال الأمة، وامتلأت خزائنهم بالذهب والفضة، حتى إن فيهم لمن يجهز بناته بالجواهر واللآلئ ويتخذ الإناء الذى يستنجى (يتطهر) به في الخلاء من فضة، ويرصع مداس زوجته بأصناف الجواهر، كل ذلك والأمة صابرة عليهم راضية بهم؛ لأنهم يقومون لها بمهمة الدفاع عن بلادهم، وتوفير أسباب الأمن لها. وها هو ذا العدو على الأبواب قد أقبل يريد القضاء عليها وعلى دينها وشرفها وعرضها ومالها، وليس فى بيت المال ما يكفى لتجهيز الجيش اللازم لرد العدو، فكان علينا أن نأخذ من أموال الأمة لبيت المال إذ لا سبيل لنا غير ذلك، ولكن الشرع الشريف أفتانا بأنه لا يجوز لنا ذلك حتى ننرل نحن - معشر الأمراء - عما احتجبناه (أخفيناه، وسترناه) من أموال الأمة، ونرد لبيت المال ما كنزنا من ذهب وفضة وجواهر وغيرها مما يفضل (يزيد) عن حاجتنا، فإذا أحصينا ذلك ولم يكف كان لنا حينئذ أن نأخذ من أموال العامة، وإنى ما دعوتكم الأن إلا لتساعدونى على تنفيذ حكم الشرع فى وفيكم ثم فى الأمة حتى نبرأ إلى الله من مظالمنا، ونخرج للجهاد فى سبيله، وقد رضى عنا ورضينا عنه، فينصرنا على عدونا ويثبت أقدامنا يوم اللقاء".
كان الأمراء قد عرفوا ما دعاهم الملك المظفر من أجله قبل حضورهم فعزموا على بيبرس أن يتولى عنهم محاجة (مجادلة) السلطان، ولكن بيبرس اعتذر لهم بضعف حجته، وعدم طلاقة لسانه ، وقال لهم : "إن الملك المفظفر قوى البيان فاختاروا منكم رجلا أقوى منى بمحاجته وإنى لا أخالفكم فى أمر تجتمعون عليه"، فقبلوا عذره واختاروا غيره ليتولى عنهم الكلام. فلما انتهى الملك المظفر من حديثه انتدب (سارع) له لسان القوم فقال له : "أتريد أن تجردنا من أموالنا يا خوند (لقب للتفخيم بمعنى قائد، أو أمير) ؟
قال السسلطان: "كلا، بل أريد أن تتجردوا عما يفيض عن حاجتكم مما أخذتموه من مال الأمة". - أردت أن تقول إن أموالنا ليست لنا؟ - نعم، ليست لكم وإنما هي للأمة، وإلا فأخبروني من أين جاءتكم... ؟ فهل ورثتموها عن أبائكم، أو كسبتموها بالتجارة، أو أى طريق من طرق الكسب المشروعة ؟
- حرام عليك يا خوند أن تتركنا نموت جوعا؛ لتعيش أنت وحدك سلطانا على مصر ويخلو لك الجو.
إنكم لن تموتوا جوعا، فأنتم جنود الأمة وعليها إعاشتكم من صلب: مالها، وها هو ذا سلطانها بينكم - يشير إلى نفسه - يتعهد لكم بإعاشتكم وإعاشة أبنائكم وأهليكم بما يكفل (يصون، ويحمى) شرفكم ويصون حرماتكم (ما يجب حمايته)، يقتطع ذلك لكم بالمعروف من بيت مال الأمة، وسأكون أول من ينزل لبيت المال عما يملك من ذهب وفضة، وهذه حلى سلطانتكم - وأشارإلى صندوق كان قد وضعه قدامه - قد نزلت عنها لبيت مال الأمة، وأقسم لك بالله إنى لن آخذ من مال البلاد إلا ما يكفينى، ولن يزيد نصيبى على نصيب أى فرد منكم، أما قولك يا هذا إننى أريد أن يخلو لى الجو فأنتم والله عدتى وقوتى، وكيف يعيش السلطان بغير عدة وقوة ؟
فانقطع متكلم القوم ولم يحر جوابا (لم يرد). فنظروا إليه مغضبين وصاحوا به : "تكلم! انطق!"، فقال لهم : "والله لا أدرى ماذا أقول له، لقد أوقعنى بيبرس فى هذه الورطة وخلص هو منها سالما"، ونظروا يتلمسون (يطلبون) بيبرس فلم يجدوه بينهم فقالوا للسلطان: "أمهلنا حتى نرى رأينا فيما ذكرت". فأجابهم السلطان : "لا أمهلكم أكثر من هذا اليوم فتشاوروا فيما بينكم الآن إن شئتم، ولن تخرجوا من هنا إلا على شىء" .
مواجهة بين بيبرس وأمراء المماليك :
وكان بيبرس قد سبقهم إلى القلعة، واتفق مع الملك المظفر أن يجلس وراء الباب الذى دخل منه السلطان بحيث يسمع حديثهم، وعليه جماعة من حرس السلطان، فلما قال القوم : "نريد بيبرس لنرى رأيه". قال لهم السلطان : "إن الأمير بيبرس قد اتفق معى على ما أردت، وحلف لى بذلك، وهو الآن موجود خلف هذا الباب يسمع حديثكم".
فصاحوا جميعا: "لقد باعنا بيبرس"، وطلبوا دخوله إليهم، فناداه السلطان، فدخل بيبرس القاعة فرمقوه (نظروا إليه) بعيون محمرة وصاحوا به : "بعتنا للسلطان يا بيبرس!"، فأجابهم بيبرس قائلا : "كلا والله ما بعتكم للسلطان، وإنى غير مسئول عنكم، تعرفون شأنكم معه، وإنما عاهدت السلطان أن أقاتل معه التتار، وتعهدت له بأننى لا أعينكم عليه ولا أعينه عليكم، وهذا التعهد لا يربط غيرى. أما أنتم فأحرار تفعلون ما شئتم".
فصاح القوم جميعا: "لا نطيع السلطان، ولا ننزل له عن أموالنا وأملاكنا". ونظروا إلى أبواب قاعة العواميد فوجدوها قد غلقت عليهم، فاستقروا فى مجالسهم. وعند ذلك نهض السلطان من مجلسه وقال لهم : "سأمهلكم ساعة تتراجعون فيها وحدكم لتنزلوا عما عندكم من أموال الأمة راضين، قبل أن تنزلوا عنه صاغرين (أذلاء، خاضعين) وأخذ بيد صديقه بيبرس فغادر به القاعة من الباب الخاص.
مصادرة قطز لأموال أمراء المماليك :
وكان الملك المظفر قد دبر فرقة من رجاله الأشداء الأمناء لكبس (اقتحام، ومهاجمة) بيوت الأمراء المماليك وكسر خزائنهم وحمل ما فيها من الذهب والفضة والجواهر إلى بيت المال، وخصص كلا منهم لبيت من بيوتهم، وأمرهم أن ينتظروا إشارته بذلك، فلما مضت الساعة ولم يتفقوا على شىء أشار إلى رجاله فانطلقوا ينفذون تدبيره. وما راعهم إلا السلطان قد دخل إليهم يقول لهم: "انصرفوا إلى بيوتكم، فقد نفذ الله فيكم ما أراد سبحانه". ونظروا فإذا أحد أبواب القاعة قد فتح، فجعلوا يخرجون منه واجمين، وإذا عصبة من رجال السلطان قد وقفوا خارج الباب فقبضوا على رؤساء القوم وتركوا الباقين.
وأحصى ما جاء من عند الأمراء فوجد أنه لا يكفى لتقوية الجيش وتموينه، فعند ذلك أمر الملك المظفر بإحصاء الأموال وأخذ زكاتها من أربابها (أصحابها) وبأخذ كراء (أجر) شهرين من الأملاك والعقارات المستأجرة، وبفرض دينار على رأس كل قادر من سكان القطر المصرى، فاجتمع من ذلك فى بيت المال نحو ستمائة ألف دينار.
ولما انتهى الملك المظفر من ذلك عهد إلى وزيره يعقوب ابن عبد الرفيع، وأتابكه أقطاى المستعرب أن يباشرا تقوية الجيش المصرى بالأسلحة والعدد وآلات القتال، وتكثير عدده بتجنيد الشباب الأقوياء من أهل مصر، واستقدام العربان والبدو وتجنيدهم وتفريق الأموال فيهم، وأمرهما بإنشاء المصانع الكبيرة لصنع الأسلحة والمجانيق وغيرها من العدد الحربية فى جميع أرجاء البلاد، وبشراء الجياد العربية العتيقة (الكريمة) والبغال القوية، والإبل الهجان (أجودها، وأكرمها، المراد الإبل السريعة).
إنشاء ديوان عام للجهاد فى سبيل الله :
وأوعز للشيخ عز الدين بن عبدالسلام فأنشأ ديوانا كبيرا للدعوة إلى الجهاد فى سبيل الله، يضم إليه من يختارهم من خطباء الجوامع، فيلقنهم ما ينبغى لهم أن يخطبوا الناس به على المنابر ليدعوهم إلى الجهاد ويبينوا لهم فضائله، ويفصلوا لهم ما أنزل التتار ببغداد وغيرها من الخراب والدمار، وما اقترفوه (ارتكبوه) فيها من سفك الدماء، ونهب الأموال، وانتهاك الأعراض والحرمات، وتهديم الجوامع والمساجد، وقتل الأطفال الرضع، والشيوخ والعجائز وبقر بطون الحوامل، ويبعث من ذلك الديوان الوعاظ يطوفون القرى يدعون أهلها إلى الجهاد، ويوقدون في قلوبهم نار الحماسة لله والوطن. وكان الشيخ ابن عبدالسلام لا يجيز أحدا من هؤلاء الخطباء والوعاظ بالانطلاق لعملهم حتى يحفظ سورة الأنفال والتوبة من القرآن عن ظهر قلب. فكان من جراء(أجل) ذلك أن صارت المنابر والجوامع والأندية ومجالس القرى تعج (تمتلئ) بآيات القتال من القرآن، حتى كاد الرجال والنساء والأطفال يستظهرونها حفظا.
وكانت الأخبار ترد باطّراد (تتابع) تقدم التتار فى بلاد الجزيرة يقصدون الشام ومصر، كل ذلك والملك المظفر رابط الجأش (شجاع، قوى النفس)، ساكن الأعصاب، لا يضيع من وقته لحظة فى غير الاستعداد. وفى خلال ذلك جاءت رسل التتار إلى مصر، وكانوا بضعة عشر رجلا يرأسهم خمسة من كبارهم، يحسنون اللسان العربى، وكان فيهم رجال مخصوصون للتجسس؛ ليعرفوا مداخل الحصون ومخارجها واستحكامات المدينة والثغر (أماكن يخشى هجوم الأعداء منها) الضعيفة فيها، وقد جاءوا بكتاب من هولاكو إلى الملك المظفر، فأمر باستقبالهم استقبالا حسنا ورتب جماعة من جنده؛ ليقوموا بشئونهم وحاجاتهم ويصحبوهم إلى كل موضع يحبون الذهاب إليه. وقد عجبوا لهذه الحرية التى أعطيت لهم إلا واحدا من رؤسائهم الخمسة أمر الملك المظفر أول ما قدموا فعزل عن أصحابه، واعتقل فى برج من أبراج القلعة، فلم يسأل الباقون عنه لانهماكهم فى تعرف قوى الدفاع للدولة، والاطلاع على حصون المدينة وأسوارها وأبوابها حتى إذا قضوا من ذلك ما أحبوا أمر بهم الملك المظفر فاعتقلوا فى برج آخر.
تخاذل أمراء المماليك فى الرد على رسالة هولاكو:
واستشار السلطان الأمراء فيما يجيب التتار به، فأشار معظمهم أن يرسلوا إلى هولاكو جوابا لطيفا يتقون به شره، ويخطبون به وده ويتفقون معه على مال يؤدونه إليه كل سنة لئلا يهجم على بلادهم فيهلك الحرث والنسل (الزرع والولد) وقالوا: إنه لا فائدة من مقاومة التتار، وإن اللين معهم أنفع من الشدة. فغضب الملك المظفر غضبا شديدا، واحمر وجهه حتى كاد الدم ينبثق (ينفجر) منه، ثم قام إلى كبير الجماعة فاختطف منه سيفه ، فكسره على زكبته ثم ألقاه أمام صاحبه، وهو يقول: "إن السيف الذى يجبن حامله عن القتال لخليق (جدير) أن يكسر هكذا ويلقى فى وجه صاحبه".
وأمر بإحضار الرسل فاحضروا بين يديه، فقال لرجاله : "اصنعوا بهم ما أمرتكم به". فخرجوا بهم، ونودى بإمرارهم فى الناس، فخرج الرجال والنساء والصبيان لمشاهدتهم في موكب عظيم، وقد ركبوا على جمال شدوا إلى أقتابها (السرج) بالحبال ووجوههم إلى أذيالها، ما عدا الرسول المفرد المعزول وحده؛ فقذ قيد وحمل على محفة ليشاهد ما يفعل بأصحابه، وخرج الموكب بالطبول من القلعة، وسارت جموع الناس حولهم يصيحون ويضحكون ويصفقون بأيديهم لهوا ومرحا، حتى وصلوا سوق الخيل تحت قلعة الجبل فقتلوا أحد الرسل، ولما بلغوا ظاهر باب زويلة قتلوا الثانى، وقتلوا الثالث بظاهر باب النصر، والرابع بالريدانية، ثم أنزل الباقون فقتلوا دفعة واحدة.
وأمر السلطان فأقيم عصر ذلك اليوم استعراض عظيم للجيش المصرى فى ميدان الريدانية حيث نصب للملك سرادق فى مرتفع جلس فيه على كرسيه يحيط به كبار الأمراء والوزراء. فأقبلت فرسان الجيش فرقة بعد فرقة يتقدمها أميرها حاملا لواءه، وهم جميعا شاكو السلاح (أسلحتهم مستعدة للقتال)، فكلما مرت فرقة أشار أميرها بالتحية، فقام الملك المظفر وأومأ (أشار) بيده ردا على تحيته، ثم مرت فرق المشاة وهم شاكو السلاح حتى غصّ (ملئ) بهم الميدان، وأقبلت وراءهم فرقة المجانيق محمولة على عجلات تجرها البغال القوية، ثم مرت فرق الهجانة وعليهم العمائم الصفراء، ثم مر كبار الأمراء فامتطوا (ركبوا) جيادهم وتباروا (تسابقوا) سبعة أشواط فى الميدان، ولما انتهى الشوط السابع ترجلوا، وقصدوا السرادق فصافحهم الملك وأجازهم. ونهض الملك المظفر بعد ذلك ونزل من السرادق وامتطى جواده الأبيض تحرسه كوكبة من الفرسان، وتحرك ركابه إلى قلعة الجبل يخترق الجماهير المحتشدة وهى تهتف له بالدعاء: "يعيش السلطان! يديم الله أيامه ! يطول عمر المظفر!"، حتى إذا ما حاذى السلطان باب القلعة أمر بالرسول التترى فأطلق بين يديه وقال له : "أخبر مولاك اللعين بما شاهدته من بعض قوتنا، وقل له : إن رجال مصر ليسوا كمن شاهدهم من الرجال قبلنا". ثم أمر وزيره يعقوب بن عبد الرفيع فسلم الرسول التتري جوابا مختوما لهولاكو، وأمر جماعة من رجاله ليحرسوه ويوصلوه إلى الحدود، وهكذا قطع الملك المظفر أمل أولئك الأمراء المشاغبين فى مسالمة هولاكو ووضعهم أمام الأمر الواقع.
تكوين جبهة قوية من ملوك الشام:
لم يكتف المظفر بإعداد الجيش المصرى وإكمال عدده ومؤنه (أقوات) لملاقاة التتار، بل رأى أن يقيم دونهم جبهة قوية من ملوك بلاد الشام وأمرائها، وكان يعلم تخاذلهم وتواكلهم (اعتمادهم على غيرهم) وتقاعسهم (تأخرهم) عن قتال التتار وميلهم إلى التسليم لهولاكو والخضوع له، فكتب إلى كل واحد منهم رسالة يشرح لهم فيها أنه جاد في العزم على قتال التتار، وقد أعد للتتار جنودا لا قبل لهم بها، وهو مصمم على أن ينقذ بلاد الإسلام منهم، ويطهرها من رجسهم، وأنه يعتبر بلاد الشام حصون مصر الأمامية، وأن وقوعها فى أيدى التتار يعرض سلامة مصر للخطر، ويؤكد لهم فيها أنه لا مطمع له فى ملك الشام، وسيترك بلاد الشام لملوكها وأمرائها المسلمين، وإنما غايته أن يساعدهم على حفظها من السقوط فى أيدي الكفرة الفجرة.
ويقول فيها: إنه وإن اعترف أن بلاد الشام لملوكها إلا أنه لن يسمح لأحد منهم أن يستسلم للتتار، بله (كيف) أن يظاهرهم (يناصرهم، ويعاونهم) على إخوانهم المسلمين، وأن مثله ومثلهم ومثل التتار كمثل من اشتعلت النار في بيت جاره الأدنى فعليه أن يسعى لإطفائها وليس لجاره أن يقول له : لا شأن لك بدارى، ويصرح لهم فيها أنه سيعاقب من يمالئ الأعداء منهم بقتله وتوريث بلاده لمن هو أحق بها منه ممن قاتل التتار من ملوك الشام، وأنه إذا لم يستطع أحدهم الوقوف فى وجه العدو واضطر للنجاة بنفسه، فعليه أن يلحق بالديار المصرية حيث يجد منها التكرمة والحفاوة حتى يحين الوقت لتحرك الجيوش المصرية فيقاتل معها عدو الجميع، ومن لم يفعل ذلك وتأخر لغير عذر قاهر، فإنه يفقد بلاده وملكه عندما يتم إجلاء التتار عنها بسيوف المصريين، وما اكتفى السلطان كذلك بهذه الرسائل حتى سير إلى بلاد الشام جماعة من الشاميين المقيمين بمصر ليحدثوا أهل بلادهم بما أعده الملك المظفر من الجيوش الإسلامية العظيمة لرد غارات التتار وإجلائهم عن بلاد المسلمين.
ولما اشتدت هجمات التتار على بلاد الشام لحق بمصر كثير من ملوكها الذين آثزوا الانضمام إلى الملك المظفر؛ ليقاتلوا التتار معه؛ فأكرم السلطان وفادتهم (ضيافتهم) وجعلهم فى بطانته (خاصته) يستشيرهم فى كبار الأمور، ويشركهم معه فى تبعات الجهاد فى سبيل الإسلام، وأمر كلا منهم على من قدم معه من مماليكه وجنوده إلى مصر، وضم إليه عددا من الجنود المصريين، فكانوا تحت قيادته، ولحق آخرون ممن كتب الله عليهم الذل فى الدنيا والخزى في الأخرة بهولاكو، حتى كان فيهم من أعانه وقاتل المسلمين معه.
مناقشة الفصل الثالث عشر من قصة وا إسلاماه
- وعندما اتفق الملك الناصر مع أيبك على الصلح اضطروا إلى الخروج من دمشق والذهاب إلى الملك المغيث في الكَرَك ؛ لأن الاتفاق كان منصوص فيه ألا يأوي الملك الناصر أحدا من المماليك البحرية . (المماليك البحرية : هم الذين جلبهم الملك الصالح نجم الدين أيوب وبنى لهم قلعة بجزيرة الروضة ) .
1 - قتلوا الخليفة أشنع قتلة.
2 - مضوا يسفكون الدماء وينتهكون الأعراض وينهبون الدور ويخربون الجوامع والمساجد. ويلقون الكتب في نهر دجلة وجعلوها جسراً تمر عليه الخيول .
- أما عن تأثيرها على نفسه : فقد أثارت شجونه ، وتمثلت له ذكريات خاله (جلال الدين) ، وجده (خوارزم شاه) ، في جهادهم ضد طاغيتهم الأكبر (جنكيز خان) وأيقن أن دوره العظيم قد جاء وأن رؤياه للنبي - - قد حان وقت تحققها .
2 - عزم فريق منهم على الرحيل عن مصر إلى الحجاز أو اليمن وعرضوا أملاكهم ليبيعوها بأبخس الأثمان.
- أما دور نائب السلطنة فتمثل في : - أن يبذل جهودا عظيمة لطمأنة الناس وتسكين خواطرهم وإفهامهم أن التتار ليسوا إلا بشراً مثلهم بل هم بما أعزهم الله به من الإسلام أقوى من أولئك الوثنيين وأجدر ألا يعرفوا اليأس وأن يبيعوا نفوسهم غالية في سبيل الله ودينه.
- وكان الشيخ ابن عبد السلام يشجع قطز على تولي السلطة إنقاذا للبلاد من (المنصور) ذلك الطفل الصغير كثير المفاسد.
- وقد خاف عليه أصحابه أن يصيبه سوء من قبل السلطان والأمراء الذين لا يرغبون في الخضوع لقطز ، وخشي قطز عليه لذلك جهز له رجالاً أشداء لحراسته أينما ذهب .
- ما فعلوه : أنكروا ما فعله نائب السلطنة وركبوا إلى قلعة الجبل .
- واستل (نزع) قطز الغضب من نفوسهم بأن استقبلهم استقبالا حسنا ، وألان لهم القول واعتذر لهم بتحرك التتار إلى جهة الشام فمعروف أنه يخاف من الناصر صاحب دمشق أن ينضم إلى التتار ويستنجد بهم كما أنه لم يفعل ذلك إلا رغبة في التجمع على قتال التتار ولا يتأتى ذلك بغير ملك قوي. فإذا انتصرنا على التتار فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم، وإذا كان فيكم من يرى نفسه أقوى مني على الاضطلاع (القيام) بهذا الأمر فليتقدم إليَّ لأحلّه محلي .
- وقد دافع عنه سفيره : حيث قال لعله استبطأ جوابكم فخشي أن تكونوا ضده .
- والقائل الملك المظفر قطز عندما قرأ كتاب بيبرس الذي يطلب فيه منه أن يقبل عثرته وعذره وخدمته.
- وتدل على سماحة الملك المظفر قطز وعلى وفائه لصديقه وحبه للإسلام.
- ويفتخر الإسلام بمثل الشيخ ابن عبد السلام : لعظمته ومكانته العالية في العلم . وأنه يعمل بعلمه لا يخشى حاكما أو سلطانا... آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يخاف في الحق لومة لائم ، عفيف اللسان ، لا يريد الدنيا بعلمه.
- وكان غرضه من ذلك أن يجعل قطز لا ينفذ فتوى العز بن عبد السلام ، فيغضب منه العز ويثير الناس عليه فيخلعونه ، ولكنه حينما علم بموافقة قطز على تنفيذ فتوى الشيخ رجع عن رأيه وأخبر قطز أنه أول من سيتنازل عن أملاكه لبيت المال ، وكان غرضه إثارة الأمراء عليه ، وذهب إليهم سراً وحرضهم على قطز وما سيفعله بهم .
- وبعد ذلك أحضر رسل التتار وأمر بأن يركبوهم على الجمال ووجوههم إلى أذيالها ودارت بهم الجمال بين الشعب المصري والشعب يضحك عليهم ، ثم قتلوا وعلقت رؤوسهم على باب زويلة إلا رئيسهم المحبوس الذي شاهد ما حدث لأتباعه ، ثم أطلق سراحه وبعثه إلى هولاكو ومعه جواب له .
1 - قام بتقوية الجيش المصري بالأسلحة وآلات القتال وزيادة عدد الجنود بتجنيد الشباب والبدو ، كما صنع الأسلحة والمجانيق واشتري الجياد اللازمة .
2 - أوعز للعز أن ينشئ ديوانا كبيراً للدعوة في سبيل الله .
3 - قبض على رسل التتار وأمر بأن يركبوا على الجمال ووجوههم إلى أذيالها ودارت بهم الجمال بين الشعب المصري والشعب يضحك عليهم ، ثم قتلوا وعلقت رؤوسهم على باب زويلة ؛ وذلك ليزيل من قلوب المصريين الرهبة من التتار ويزيد حماسهم .
4 - أقام استعراضاً عظيماً للجيش المصري في ميدان الريدانية .
5 - كتب إلى ملوك الشام يبين لهم هدفه من القضاء على التتار ، وأنه لا يطمع في بلادهم ولكنه لن يسمح لأحد منهم بالاستسلام للتتار فمن أعانه ضمن له ملكه على بلاده ومن استسلم فسيأخذ بلاده .
***
والآن جاء دورك. فلو بخل بهذه المعلومة غيرك ما وصلت غليك. رجاء مشاركة هذه الصفحة مع جميع الأصدقاء لتعم الاستفادة . وبالله التوفيق.